البلاء في المناهج- حافظ البرغوثي
المتأمل بموضوعية في الوضع العربي العام يرجع سبب التخبط والتأخر والفوضى والفتن والاقتتال الى مناهج التعليم التي وضعت في عهد الاستعمار وظلت دون تجديد علمي الا بالرتوش المزركشة ولا تصل الى لب المعضلة. فهي في الاساس مناهج تلقين وحفظ دون فهم ولا تحفز على البحث والابداع والتحصيل العلمي خارج نطاقها. لأن من اوحوا بوضعها جعلوها عقيمة وليست حضارية ولا تخلق وعيا حضاريا يؤمن بالتعددية الفكرية واختلاف الرأي بل تقولب الامور حسب ما يريدها الحاكم بأمره وليس غيره، ولذلك اختفى ادب الحوار والبحث والاجتهاد في العلوم، وحتى في المناهج الادبية ظلت تراوح مكانها رغم ان اغلبية الطلبة يتجهون الى الكليات السهلة اي الادبية فلا ظهر مفوهون باللغة ولا ادباء كبار.
نحن بحاجة الى ثورة في التعليم ونسف المناهج القائمة وتغيير نمط الجامعات حتى لا تفرخ اشباه متعلمين لا يتقنون حتى لغتهم الأم فكيف سيبحرون في شتى المعارف والعلوم؟ وفي حالتنا الفلسطينية اظن ان وزير التربية الجديد مؤهل حياتيا وعلميا ليترك بصماته على العملية التعليمية في كل مراحلها ويطبق اساليب تعليم حديثة تستوعب المتغيرات وتتسع لإطلاق العقل وتنمية البحث وخلق جو تعليمي مدرسي وجامعي يؤمن بالعصف الفكري والاختلاف والمغامرة، وخلق مسارات تعليمية مهنية تسد الحاجة وتخلق فرص عمل في الخارج وهذا يتطلب خطة عمل طويلة الأمد تشمل اعادة تأهيل المدرسين وضبط الوضع والنظام بحزم في المدارس واعادة الهيبة للهيئة التدريسية. واظن ان مثل هذه الأمور تحتاج الى عقول مدركة لتصحيح الوضع ووضع البرامج العلمية لاعادة صياغة مناهج تعليمية تخاطب العقل ولا تخاطب الطلبة على اساس العلامات بل على اساس الفهم والإدراك واطلاق حريتهم في الخروج عن المناهج خاصة مع توفر مصادر المعلومات بصورة اكبر في عصرنا الحالي. فالنظم التعليمية المتبعة بالية وليس غريبا ان تولد قتلة ومجرمين باسم الدين واناسا يدمرون بلادهم ويقتلون بعضهم بعضا دون احساس بوخز الضمير. دعونا نشعر بانسانيتنا ولو في المناهج حتى تتخرج اجيال ايجابية فاعلة وليس عاطلة.