تيسير خالد و"عصابة الغيستابو" - حسن سليم
حادثة الاعتداء من قبل افراد في الامن الوطني على شاب تلحمي، اثارت موجة من الغضب، كانت تستحق، حيث جوبه الموقف منذ نشر المشهد بالاستنكار والادانة من قبل الحكومة وقادة الجهاز، لما يحمل من اساءة لكرامة المواطن التي تمثل كرامة الوطن.
ولخطورة الاعتداء كان الرد سريعا بتشكيل لجنة تحقيق لاتخاذ ما يلزم بحق المتسببين فيه، ومحاسبة المسؤولين عنه لضمان عدم تكراره. وجاءت نتائج لجنة التحقيق بسرعة لم نعهدها من قبل، قضت باعفاء ضباط كبار من مهامهم واحالتهم الى الاستيداع التأديبي، وسجن بعضهم مع تأخير رتبهم، وقد سبق تلك النتائج اعتذار رسمي من قبل قيادة الجهاز والمؤسسة الامنية للشاب المعتدى عليه.
نتائج قد لا تعجب البعض الذي يرى ان حادثة الاعتداء تستحق عقوبة رادعة بشكل اكبر، في حين كان يرى البعض الآخر قبل صدور نتائج لجنة التحقيق ان القضية سيتم طيها، وسيطول بقاؤها في الادراج، لكن النتيجة كانت غير ذلك.
وفي ظل جهود الحكومة والاجهزة الامنية لتطويق حادثة الاعتداء التي لا تمثل، ولا يجب ان تمثل سياسة ونهج عمل الاجهزة الامنية المكلفة بحماية المواطن وامنه ومصالحه، والتي اثبتت ذلك الرأي نتائج التحقيق والعقوبات المقرة، خرج تصريح لعضو اللجنة التنفيذية تيسير خالد، واصفا الاجهزة الامنية بانها " عصابات غيستابو".
اصطلاح "عصابات غيستابو"، الذي ادخله تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية عن الجبهة الديمقراطية، لقاموس السياسة الفلسطينية، جاء دون تمهيد بتعريف المواطن بالمقصود بهذا الاصطلاح والتوصيف الذي لا يحمل اساءة للاجهزة الامنية فقط, بل فيه اساءة للنظام السياسي بأكمله، الذي يجلس صاحب التصريح على مقعد في اعلى هيئاته " اللجنة التنفيذية", الامر الذي يستوجب الوقوف عنده مطولا لفحص دقته، ودلالاته، بل مطلوب منه تقديم اعتذار صريح عنه.
اصطلاح "عصابات غيستابو"، الذي ادخله تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية, هو اسم لاكثر أجهزة الأمن الألمانية شهرة وسرية، والذي كان مسؤولا عن العديد من عمليات الاغتيال والتدمير للملايين خلال فترة الحكم النازي، وتأسس لحماية الدولة الألمانية والحزب النازي، واسسه النازي هيرمان غورينغ، وشكله من ضباط الشرطة المحترفين بعد مسك أدولف هتلر بزمام الأمور في ألمانيا النازية في آذار 1933، حيث تمحور دوره في حماية الدولة وتشكيل قوة ضاربة لما يتربص بالدولة من أعمال تخريب أو تجسس أو خيانة، وقد تم تغيير القانون الألماني بصورة تجعل "الغيستابو" يتحرك بصورة حرة وبعيدا عن المساءلة القانونية، وخلال محاكم نورمبرغ، تمت إدانة جهاز الغيستابو بالجرائم الفظيعة التي ارتكبها في حق البشرية.
اذا هو جهاز نازي، مجرم، وليس جيشا وطنيا، كما يعتقد تيسير خالد، وهذا يستدعي مراجعة وطنية لأبناء المؤسسة الامنية، التي قدمت المئات من الشهداء وآلاف الاسرى والجرحى، وقدموا من عائلات مشهود لها بالوطنية والانتماء.
الخلاف ليس ان ما حدث من اعتداء من قبل افراد اجهزة الامن على المواطن التلحمي، ان كان مقبولا ومبررا ام لا، فهو عمل مرفوض, ويستدعي الضرب من حديد على يد كل من تسول له نفسه المس بكرامة اي مواطن، الا ان المتوقع والمطلوب من شخص بوزن تيسير خالد ان يتخذ موقفا اكبر من شتم غير مدروس لمعناه، ولا سيما انه من اولي الامر، في حين كان يتوقع البعض وهو يسمع منه اطلاق هذا التوصيف، ان يقدم استقالته من " هيئة مسؤولة عن عصابة " الغيستابو "، او يدعو افراد تنظيمه لعدم العمل في صفوفها.
محاسبة ابناء الاجهزة الامنية على اخطائهم واجبة، لكن شكرهم على جهودهم والتزامهم رغم قلة الامكانيات وصعوبة ظروفهم ايضا واجبة. لكنهم بكل الاحوال ليسوا "عصابة غيستابو" يا تيسير.