كوربين وعودة «اليسار»- بانكاج ميشرا *
لا شك أن انتخاب السياسي اليساري جيرمي كوربين بأغلبية كبيرة زعيما لحزب العمال البريطاني الأسبوع الماضي، قد أثار سيلا من ردود الفعل التقليدية المتشددة، ويكفي هنا إلقاء نظرة سريعة على عناوين الصحف اليمينية في بريطانيا حتى نتأكد من هذا الأمر: «وداعا حزب العمال» (صحيفة دايلي إكسبرس)، و«كابوس الزعيم» (صحيفة ذا صان)، و«موت حزب العمال» (صحيفة تليغراف). أما رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، فقد ارتأى أن يبعث بتغريدة جاء فيها أن انتخاب كوربين يجعل من حزب العمال «تهديدا لأمننا الوطني، وأمننا الاقتصادي، وأمن عائلاتنا».
ومثل هذه الردود الهستيرية على سياسي، يفترض أنه «ميؤوس منه» و«غير قابل للانتخاب» مثيرة للاهتمام في حد ذاتها، لكنها ينبغي أن تدفعنا أيضا لطرح أسئلة أعمق حول الجو السياسي الذي أصبح فيه سياسي يبدو أنه يعود لفترة الستينيات مثل كوربين -أو بيرني ساندرز الذي يبلغ 74 عاما، في الولايات المتحدة- ملائما من جديد في المشهد السياسي.
ولا شك أنه كان من المذهل رؤية الحركة الجماعية العفوية التي تزعمها الشباب -التي رفعت يساريا من الطراز القديم مثل كوربين إلى زعامة الحزب. والتفسير البديهي لذلك بالطبع هو أن الناس ضاقوا ذرعا بطبقة سياسية كثيرا ما ضُبطت متحالفة أو متواطئة مع كبار رجال المال والأعمال.
فضمن الفراغ الذي خلقته حكومة التقنيين والإعلام، ظهر نوع قديم الطراز من السياسة، نوع يَعد بانخراط سياسي حقيقي وتضامن مع المواطنين، بدلا من تعظيم الذات أو السعي للسلطة بأي ثمن.
والأكيد أن الانبعاث المفاجئ لليسار القديم يمثل تذكيرا بأن الانقسامات ومشاعر الاستياء السياسية والاجتماعية- الاقتصادية الكبيرة تفوق تصويره المبتسر والمشوه من قبل السياسيين المحترفين و«خبراءهم» الذين يحترفون لي عنق الحقيقة في وسائل الإعلام.
إن كشف النقاب عن هذه الحقيقة هو ما يدفع التكنوقراط الحاكمين وحلفاءهم في الصحافة اليمينية إلى الهستيريا. وقد لا ينجح كوربين المفتقر للتجربة في الصمود في وجه عدائهم، إلا أنه أسس بالفعل ما قد يبدو في غضون بضع سنوات تحولا كبيرا نحو مجتمع سياسي مستند إلى الواقع.
----------
كاتب ومحلل سياسي هندي
عن «واشنطن بوست»