هدنة طويلة الأمد بنكهة نيكولا - حسن سليم
لم تعد المفاوضات بين حركة حماس واسرائيل ملفا قابلا للكتمان والسرية، او بمقدور الناطقين باسمها الادعاء بعدم وجودها رغم محاولاتهم غير المنتهية.
اليوم كرة الثلج تدحرجت وكبرت، والحديث يجري عن تبدل الوسطاء بين حماس واسرائيل، وجديد اليوم هو تغير الوسيط، بعدما افشلت اسرائيل جهود توني بلير المبعوث السابق للجنة الدولية الرباعية للسلام، الذي حاول جاهدا اقناع اسرائيل بالتوقيع عليها رغم تدني سقفها وبخاسة ثمنها لصالح اسرائيل، ليطل اليوم علينا المبعوث الدولي "نيكولا ميلادينوف" في محاولة جديدة منه لتحريك ملف الهدنة طويلة الامد.
ما يحمله المبعوث الدولي ميلادينوف الذي التقى اسماعيل هنية مؤخراً في غزة، والتقى أكثر من مرة نائب رئيس المكتب السياسي ومسؤول ملف العلاقات الدولية لحركة حماس موسى ابو مرزوق هو تصور آخر لتسهيل التوقيع على الهدنة طويلة الامد، يتمثل بتحسين وضع السكان في غزة الذين يعانون من سياسة الحصار الاسرائيلي المحكم، مقابل تعهد حماس بوقف التسلح والعمل على وقف أي هجوم على إسرائيل، على ان تقوم الأخيرة بتسهيل عمليات إعمار قطاع غزة، وجلب المزيد من أموال المانحين لعمليات الاعمار، إلى جانب بعض التسهيلات الأخرى، ينتج عنها تحسين وضع حكم حماس في غزة.
اذا هو استبدال اسماء بأخرى، توني بلير بنيكولا ميلادينوف، وانقاص لسقف الشروط لتصبح دون الحد الادنى، ليتم حصر المطالب بتحسين اوضاع انسانية مقابل هدنة طويلة الامد.
المبعوث الدولي ميلادينوف لا زال ينتظر، ولم يتسلم بعد الرد من قيادة حماس المنعقدة للتشاور للرد على افكاره، فيما عينها ناظرة على عدم قطع شعرة معاوية، وخسارة التواصل الدولي، كما تنظر بحرص لان تقدم لجمهورها المغرر به ولو قليلا مما وعد به اسماعيل هنية في رمضان الماضي بان الازمة قاربت على الانفراج.
واضح ان حماس لم تتعلم الدرس بالانزلاق بمفاوضات تليها اتفاقات بلا ضمانات دولية تلزم اسرائيل بما وقعت. فقد سبق لحماس ان عقدت صفقة شاليط لوحدها كحركة وليس كمؤسسة فلسطينية معترف بها دوليا، وكان ظنها أن تحصد اعترافاً دولياً بها، وتأييداً شعبيا لما ستحقق من تحرير لاسرى، لتفاجؤها اسرائيل باعتقال غالبية من افرجت عنهم بعد اشهر قليلة. وكذلك الحال فيما يتعلق بنقض اسرائيل لاتفاق الهدنة الاخير 2014 الذي لم تحسن حماس ادارته بالتصرف بعقلانية منذ البداية، فبقيت تنتظر لاكثر من خمسين يوما حتى وصل عدد الشهداء والجرحى للالاف، ودمار طال معظم منازل قطاع غزة وبنيته التحتية، دون ان تحقق ما كانت تعد به اهل القطاع الذي تسيطر عليه عنوة، بل وصل بها الامر ان صورت النتيجة بانتصار مؤزر لصالحها كما ورد على لسان مشعل وهنية في "مهرجانات النصر".
ملف الاعمار وفتح المعابر عنوانه معروف لدى حركة حماس، لكنها ترفض ان يكون بطريقة شرعية، فقد اقر مؤتمر المانحين لاعمار غزة بعد العدوان الاخير عليها موازنة له، وحدد آليات التنفيذ، لكن حماس رفضت عمل حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة لتنفيذه، واصرت ان يكون باشرافها وادارتها، وهي تعلم ان ذلك غير مقبول ولا يتواءم والانظمة المعمول بها دوليا، وكذلك الحال فيما يتعلق بمعبر رفح الذي يشكل رئة التنفس لقطاع غزة نحو العالم، حيث ترفض حماس تسليم المعابر للسلطة الشرعية وتصر على اسر القطاع بادارتها له، وتدفع بين الفينة والاخرى بأزمة مع الدولة المصرية لتظهرها وكأنها المحاصرة لقطاع غزة، وتعتبر ما تقوم به الدولة المصرية من اغلاق للانفاق بينها وبين القطاع، وحفظ لحدودها من عبث التيارات الارهابية المتطرفة بمثابة تقييد لحركة المقاومة واجتثاث لها.
إن ما تحتاجه حماس ان صدقت بوصلتها، بانها تعمل لمواجهة إسرائيل وتحرير الأرض وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هو الاستمرار بمشوار الكفاح الوطني في اطار الشرعية، الذي بدأ منذ خمسة عقود والقائم على قراءة علمية لكافة المعطيات وموازين القوى على أرض الواقع، وان تتخلص من خطابها الانعزالي المنغلق وغير الواقعي وغير السياسي الذي اوصل المشروع الوطني الى قاع الواد، وذلك باصرارها على عدم رؤية الواقع على حقيقته، وعدم الاستماع للنصيحة حول ما هو قادم من مستقبل.