عندما تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة - عيسى قراقع
أربعة اسرى إداريين مضربين عن الطعام من سكان مخيم الدهيشة في بيت لحم منذ اكثر من اربعين يوما احتجاجا على اعتقالهم الاداري التعسفي، وجميعهم اعتقل إداريا اكثر من مرة الى درجة ان الاسير نضال ابو عكر قضى 10 سنوات وعلى مراحل في الاعتقال الاداري.
على الرصيف وأمام مخيم الدهيشة ، وتحت مظلة صرح الشهداء وقاعة الشهداء يعتصم اهالي المخيم كل مساء تضامنا مع المضربين، تحيط بهم صورا وشعارات كثيرة معلقة على جدران المخيم، صور ابو عمار وجورج حبش وابو علي مصطفى وأحمد ياسين واحمد سعدات ومروان البرغوثي، وكلمات للكاتب الشهيد غسان كنفاني وهو يصرخ: لا تمت إلا وأنت ندا..
في خيمة الاعتصام في مخيم الدهيشة صور الاسرى المضربين، ترفرف مع الاغاني الوطنية ودعاء امهات الاسرى المرابطات القلقات على مصير ابنائهن الذين اعلنوا اضرابهم لكسر قيود وسياسة الاعتقال الاداري.
وتجد في المخيم القيادات والاسرى المحررين والاطفال والنساء، وجميعهم اصحاب تجارب اعتقالية عديدة ومنذ بداية الاحتلال، تعلو وجوههم تجاعيد النكبة والمأساة وهي تفيض في هذا المخيم المشتبك يوميا مع الجنود، والمستيقظ نضاليا وفكريا، لا ينام ولا يهدأ، وهو يسرد روايته على المكان والزمان.
لقد تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة ، لأنه يعرف ان ابناء المخيم عنيدون، وهم الذين اسقطوا السياج الامني الذي التف حول المخيم في الانتفاضة الاولى، وهم الذين فخخوا الشوارع والحارات والازقة والقصائد بغضبهم الرمادي، وتجاوزوا كرت الاعاشة عندما فتحوا ابواب الارض والبحر عائدين الى حلمهم الاول.
اربعة اسرى مضربين من مخيم الدهيشة يعيشون في زنازين العزل، يدقون جدران النكبة والسجن بجوعهم ولا يتوقفون، زيت السمك يسري في عظامهم والقهر والبؤس، رافضين ان يديروا خدهم الايسر الا للحرية شاملة عالية ولا يقيدها سجان.
تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة وهو يزحف الى اليقين، يتجدد ويتكاثر وتطير بين يديه الشوارع، حجارة واناشيد حتى تجد الشهداء والاحياء واقفين في هذا الموج المتعالي، يسيرون الى الامام، الى المدخل الشمالي من بيت لحم، نحو القدس، بعضهم يصل ، وبعضهم يعود قتيلا او جريحا، ولكنهم يتوحدون في المعنى والصلاة.
تورط الاحتلال مع الاسرى المضربين :نضال ابو عكر وغسان زواهرة وشادي معالي وبلال الصيفي وشادي مصلح ومنير ابو شرار وبدر الرزة وسليمان سكافي، ومع قصيدة خليل زقطان وهو يحذر من غضب اللاجئين.
تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة، يتنهد المخيم، يتنهد الاسرى، ماء وملح يسيل في الزنازين وفي الازقة، وكأن زمن المخيم لا تتسع له السماء، ما اضيق حدوده، وما اوسع اجنحة الغيم وهي ترفرف على وجه الشمس .
تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة، يتحرك الناس من أقفاصهم، يكبر الاولاد بسرعة في المخيمات، يتركون حصة الدرس الى المقلاع، وينامون في عيون الحجارة كشعاع.
تورط الاحتلال مع مخيم الدهيشة، لأن هذا المخيم خرج من جرحه وغمده الى حقول الهواء، فجر يلقح فجرا، بذار وحكاية تتناسل باسم الفقراء الذين يرفضون الاختناق بصمت.
في خيمة الاعتصام المسائية، على الرصيف في مخيم الدهيشة رأيت الناس يتلحفون بالحاضر وهو يدب على عتبات من الدم، يلتحفون سماء حمراء، ويتذكرون، وكلما تذكروا اكثر كلما توسع الانفجار وسقط الوهم.
المخيم، هذه اللحظة جسد
المخيم، هذه اللحظة أبد يترجل
المخيم، اسرى يتكئون على قبرهم المقبل
يتحولون الى عقود في اعناق الشجر