عصابات الغرباء برعاية دولة الأغبياء - حسن سليم
هَبّة الفلسطينيين لمواجهة عصابات الغرباء المسلحة والمدعومة بجيش دولتها، تثبت مرة أخرى، كما في كل مرة، خسارة لكل من يراهن على استكانة الشعب الفلسطيني، أو باستمرار قبوله بهكذا حال.
حالٌ لم ينقطع السؤال بشأنه، الى متى سيغمض العالم عيونه، ويقبل باستمرار اشتعال فتيل الاضطراب في المنطقة؟ فيما يدرك تماما ان الحل يكمن في إنهاء احتلال تفرعن، وتمددت أرجله في المنطقة دون ان يحسب حسابا لأحد!
الفلسطينيون وعلى مدار السبعة عقود من عمر الاحتلال لم يتوقفوا عن مفاجأة المراهنين المعتقدين بأنه قد تعب، وبأنه لن يعود لمقارعة الاحتلال، بل يعود في كل مرة متجددا بنموذج كفاحي خلاق يدخل دولة الاحتلال في إرباك، لا تستطيع مواجهته إلا باسلوب البلطجة الذي لا تتقن غيره.
عملية "أسوار أورشليم القدس" التي تهدد بها دولة الاحتلال وقادتها، لن تضيف الى رصيدها سوى المزيد من الجرائم والى وجهها الا مزيدا من البشاعة، فهي لا تفكر إلا بعقلية أمنية بحته، فهي راسبة بامتياز في السياسة، وليس أدل على ذلك من تصريح رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في طريق عودته من نيويورك، بعد ان لام العالم على ترك اسرائيل وحيدة في مواجهة "الارهاب": "أنا في طريقي الآن الى إسرائيل، وفور وصولي سأنتقل مباشرة الى مقر وزارة الأمن لعقد لقاء مع القيادة الأمنية لاتخاذ قرار بهجوم عنيف ضد الإرهاب الفلسطيني"، وظنه أن الفلسطينيين سيهربون الى الملاجئ، او يرحلون الى غير مكان، وكأنه لا يعلم أن الفلسطينيين يتكاثرون تشبثا بأرض لا يملكون سواها، وبخيار الصمود والمقاومة لم يعتادوا غيره.
عملية الطعن التي نفذها مهند الحلبي وقعت في اكثر الشوارع حراسة من قبل جيش الاحتلال، ومع ذلك لم تمنع حدوثها، وهذا ما يثبت فشل تفضيل نظرية الامن على نظرية السلام لدى دولة الاحتلال، فيما اعدمت شرطتهم فادي علون بدم بارد، ودون فعل من طرفه، بل كان يطلب الحماية بعد ان هاجمته عصابة الغرباء من غلاة المغتصبين، وهذا يؤكد ان القتل يمارسه الاحتلال من اجل القتل وليس بذريعة الامن كما يدعي، وهذا بالطبع غيض من فيض، وقائمة الصور الشاهدة على مسلسل جرائمهم طويلة.
ما تفكر به دولة الاحتلال، وهو ما أفصح عنه عضو مجلسها الوزاري المصغر يسرائيل كاتس من حزب الليكود، بأنه سيتم تشديد الإجراءات الأمنية ضد الفلسطينيين دون أن يستبعد الإقدام على ما وصفه بحملة السور الواقي الثانية على غرار اجتياح مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2002، مشيرا الى تسميتها باسم (أسوار أورشليم القدس)، سيدخل المنطقة في دائرة -لن يكون سهلا العمل بشكل سريع على وقفها- اشتعال نارها ومعالجة نتائجها وتداعياتها، كون الرد شعبيا، وسيكون كل فرد في موقعه يقرر ما يراه مناسبا، وليس وفق قرار سياسي أطلق الرصاصة لبدئها، وسيطلق الصافرة لانتهائها، ولا سيما في ظل توحد الخطاب التحريضي لأركان دولة الاحتلال أمثال كاتس، وليبرمان الذي عبر عن موقفه بكتابة خمس كلمات على حسابه في فيسبوك: "هكذا يبدو فقدان السيطرة والردع"، ردا على عملية بيت فوريك وما تلاها من ردة فعل شعبية على انفلات عصابات المغتصبين المنفلتين من عقالهم، وموقف رئيس حزب يش عتيد المعارض، يئير لبيد، الذي حمل الرئيس ابو مازن المسؤولية عن العملية، وبأن ما حدث إنما هو نتيجة مباشرة للتحريض بخطابه"، وكان أولى بهم البحث في أصل الأسباب والمسببات بدل الانشغال بالتحريض.
يبدو ان دولة الاحتلال نسيت او تناست كيف تحول المجموع الفلسطيني الى صف مقاتل في العام 2002 عندما اجتاحت دباباته المدن الفلسطينية، حينها وضع الفلسطيني بدلة وربطة عنق المفاوض جانبا، وارتدى بزة المقاتل، حين شعر ان إسرائيل داست اتفاقات لم يجف حبرها بعد، وتريد إذلاله، وامتهان سيادته، ويبدو ان دولة الاحتلال لا تريد ان تتذكر أن الفلسطيني الذي أطلق الرصاصة في العام 65 وقاد ثورته، هو ذاته من استمر بها وأشعل انتفاضته الشعبية في العام 87، وكررها في العام 2000، ولكنني لا أظن أنها نسيت ما قاله الرئيس ابو مازن أثناء عدوانها على قطاع غزة، وما اختتم به خطابه في تموز 2014، من نص الكتاب الحكيم" أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير"، وهو صاحب نظرية خيار السلام وموقع اتفاقاتها، فما بالها فيمن ما زال يتشكك بخيار المفاوضات، ولا يؤمن بالمطلق بقدرة اسرائيل ان تكون يوما طرفا في عملية سلام.
إن ارتضاء الفلسطينيين للقبول بسلام وإقامة دولتهم على ما نسبته 22.33 % من مجموع مساحة فلسطين التاريخية جاء نتيجة لظروف إقليمية ودولية، وليس لان دولة الاحتلال تستحق أن تقيم دولتها على مساحة تفوق مساحة الدولة الفلسطينية بثلاثة أضعاف، كما لان الفلسطينيين راغبين بمستقبل هادئ للمنطقة، لإيمانهم الواعي بما يمثل السلام من فرصة تاريخية قد لا تتكرر، وما يمثل من مصلحة مشتركة للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني وللمنطقة عامة، ولجعل ثقافة الكراهية والوحشية الإسرائيلية الاحتلالية خلف الظهور وجزءاً من الماضي، والبناء على أنقاضها ثقافة السلام والاستقرار.
ولكن الناظر والمتابع لخطاب ساسة دولة الاحتلال، ولما تقوم به على الأرض، يتبين له أنها غير معنية بسلام يجنب المنطقة شر غبائها، وبالتالي مطلوب منها كما هو مطلوب من العالم اجمع أن يتحمل مسؤولياته تجاه ما هو قادم، فقد "لا تسلم الجرة في كل مرة"، ولا سيما إن تم ترك الباب مشرعاً أمام تغول عصابات الغرباء المرعية من قبل دولة الأغبياء.