نوبل تونسية.. "يعيشك" يا وطن - موفق مطر
لأول مرة يفوز الحوار الوطني العربي من اجل السلم الأهلي بجائزة نوبل للسلام، وهو امر نحسبه انتصارا لمنهج العقلانية السياسية، وتسييد المصالح العليا للوطن، وعقيدة الوحدة الوطنية، الناظمة لفكر الأحزاب الوطنية ذات المنهج التقدمي الديمقراطي.
تونس الخضراء، تونس السلام والمحبة، تونس الحوار، ومهد الواقعية والعقلانية السياسية، ضربت مثلا عربيا وعالميا، وبرهنت بالدليل القاطع على امكانية رفع قواعد المصالح العليا للوطن، بعد زاحة ركام المصالح الحزبية الفئوية، وانماء غرسة النظام على قبر الفوضى، والسلم المجتمعي والتداول السلمي على السلطة، ونبذ الاقتتال والتنافس اللامشروع للاستحواذ على كابينة القيادة.
منح وسطاء الحوار الأربعة في تونس العربية جائزة نوبل للسلام يعني الكثير للعرب عموما، ولنا نحن الفلسطينيين خصوصا، اما لشعوب العالم، فانها دليل حسي جديد على ان العقل العربي ناضج بما فيه الكفاية، لابداع حلول خلاقة للمشاكل الداخلية مهما بلغت من التعقيد، وان العربي معني اولا وأخيرا بالسلم الداخلي والسلام مع الآخر، كمصير محتوم من اجل مستقبل مزدهر.
فوز تونس بجائزة نوبل للسلام، دحض لكل الروايات والدعايات المفبركة والمزورة والمضخمة عن العربي العنيف، العربي الدموي، وتوفر فرصة ثمينة للاعلاميين والمثقفين العرب، للاشتغال على تفنيد حجج ومبررات القوى والدول والنظم التي لا تريد لامتنا العربية الا شرا، وتسعى لتبديد الموروث الجميل والحسن من الثقافة العربية.
اما على الصعيد الفلسطيني، فان فوز الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام نفترضه كمحرض فعال لحماس حيث مازال قادتها يظنون بالنار كبديل عن الحوار، ومنبه خطير لكبح لجوئهم المتسارع نحو دولة الاحتلال لحل مشاكلهم الحزبية المستعصية، فالطرف الوطني الفلسطيني يعتنق الحوار كعقيدة، ووذهب لاتفاق المصالحة واعلاناتها فاتحا القلب والعقل الوطني، بعد منح الوسيط العربي (مصر العربية) الثقة كاملة، لصنع اتفاق يمكننا من الانتقال للمستقبل بوحدة وطنية حقيقية تمكننا من الصمود والمواجهة والمقاومة الشعبية، وتحقيق اهداف برنامجنا الوطني الفلسطيني الذي اقرته منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
أما على الصعيد العربي، فان اتخاذ الحوار التونسي الفائز بنوبل للسلام كنموذج ومثال يحتذى، فانه قد يحد من السفك الدماء الانسانية البريئة في اقطار عربية، كسوريا والعراق وليبيا واليمن، واقطار تشهد خلافات سياسية تنعكس سلبا على حياة المواطنين، وتعكر صفو الشارع بحركات وفعاليات شعبية لا تخلو من العنف وتؤثر مباشرة على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلد كما يحدث في البلد الشقيق لبنان مثلا.
يقول التونسيون تعبير "يعيشك" عندما يتمنون للآخر حياة طيبة وطويلة، وهذا تعبير ليس مشتقا من صور حياة الطبيعة دائمة الخضرة في تونس الأرض وحسب، بل من تمنياتهم الحقيقية للآخر بالعيش بسلام وامان، كما تمنياتهم لانفسهم بالعيش برغد وسعادة وحرية وسلام.
تهانينا لشعب تونس الشقيق جائزة نوبل للسلام، وشكرا لشعب انجب ابو القاسم الشابي الذي انشد: اذا الشعب يوما اراد الحياة..فلابد ان يستجيب القدر.. شكرا لشعوب امتنا العربية التي ستثبت انها تريد العيش بسلام في اوطانها ومع شعوب العالم قاطبة، فكم نحن بحاجة للشعور بالأمان والسلام في بلادنا حتى نقول: يعيشك يا وطن بكل صدق.