أطفالنا ضحايا، ليس أكثر- حسن سليم
ما العبرة من تصوير أطفالنا بعمر السنوات العشر وإظهارهم أبطالا قادرين على سحق آلة الحرب الإسرائيلية المغمورة بعقلية الدم، المجبولة بالحقد والكراهية. فيما الحقيقة الثابتة أن أطفالنا ليسوا أكثر من ضحايا، ليسوا أبطالا ولا أعضاء في كتائب الثورة كما يطيب للبعض أن يصفهم ويصنفهم، وفي ذلك ظلم كبير لهم، وتحميلهم بما لا طاقة لهم على حمله.
بالطبع المشاركة في هبة الصبار أو غضبة القدس واجب، ودعمها مقدس، دون أن يكون موتنا مجانيا، ودون ان تكون روايتنا مصدرها إعلام الاحتلال.
مشهد الطفل مناصرة وهو يرجو العلاج ويطلب النجدة، صورة طبق الأصل عن مشهد الطفل الشهيد محمد الدرة، وغيره المئات من الشهداء الأطفال، وهم ضحايا جريمة الاحتلال المستمرة، التي شاهدها العالم بالصوت والصورة واستراح لعجزه، وفضل أن يشاركنا التفاخر باستشهادهم بدلا من حمايتهم، فيما دولة الاحتلال تستخدم هذا الإعجاب والتفاخر للتسويق لروايتها بأنهم إرهابيون صغار، قتلهم واجب.
إعدام الأطفال على مرأى من العالم دون أن يحرك ساكنا باستثناء عبارات خجولة، لا تتم فقط من قبل عصابات المغتصبين أو من قبل أفراد متعصبين، بل من قبل جيش منظم، بزي عسكري يحمل شارة دولته، التي تدعي انه يحترم النظام ويخضع للقانون، هي وهم ابعد ما يكونون عنه، إلا إذا كان المقصود قانون الموت.
بموازاة التسويق الإسرائيلي لروايتهم المخرجة بعناية، يتم لصق الإرهاب بضحايانا، كما يتم جرنا بأرجلنا الى ذات المربع، وان كان بحسن نية من طرفنا بغرض تعظيم الصورة وتكبيرها، وظننا أن نخدم الضحايا، فيما الحقيقة بالنتيجة، هي تعزيز للرواية الإسرائيلية المجبولة بالتثوير على الكراهية.
أطفالنا الضحايا لم يطلبوا الشهادة ولم يتمنوها، فنالوها، كما تصور للعالم، وكما صورناه له، فهم البراءة الراكضة وراء سعادة طاهرة وآمنة، وليست الباحثة عن الموت، فهم الذين يتجنبون الضحك في سراديب الليل، حتى لا يعتبرها من هم اكبر منهم سنا قلة أدب، أو إزعاج يقلق راحتهم.
الأطفال الضحايا الذين سقطوا برصاص الاحتلال، بعدما نزفوا حتى الموت وهم ينتظرون العلاج، من حقهم ان يتم رفع مطلبهم الى المحكمة الجنائية الدولية ومحافل العدالة في العالم، لجر القتلة من نواصيهم، وقفاً لقتل المزيد من الأبرياء، وليس الانتظار لوصول المزيد من صور الضحايا حتى نتناقلها عبر صفحاتنا للافتخار بها والترحم عليهم، وفي الحقيقة ان هذا تخاذل منا، لا نصرة لهم.
من يستطيع الادعاء ان الطفلة رهف حسان (4 أعوام)، كانت تحلم بالشهادة وهي في حضن والدتها، فنالتها؟ ومن يجزم بأن الطفل محمد مناصرة (14 عاما)، العائد من مدرسته ضاحكا كان يعتقد انه سينزف حتى الموت؟ وهل فعلاً مرح بكير (15 عاما) العائدة من مدرستها، المزهوة بمريولها والمنتظرة للعودة الى حضن أسرتها توقعت ما حدث معها؟
هؤلاء الضحايا قتلوا مرتين، الأولى برصاص عصابة الدم، والثانية بوصفهم قادة وأعضاء في كتائب المقاومة، بل وتبنتهم وأظهرتهم مقاتلين بالسلاح، وهم ليسوا أكثر من أبرياء باحثين عن الحياة، ومنتظرين لمستقبل آمن بلا خوف، طالما حلموا به.
وأسأل نفسي قبلكم: من منا لا ينتظر وقت عودة أطفاله من المدرسة، على أحر من الجمر، حتى يحملهم الى بيته ويغلق عليهم الباب بعناية وإحكام خوفا عليهم؟ من منا لا يتمنى لو يخبئهم في صدره، خوفا من رائحة غاز مسيل للدموع قد تتسلل الى عيونهم، فتدمع؟ من منا لا يتمنى ان يكون رحيله قبل سماع جرس هاتفه يرن ليخبره انه أصبح والد شهيد، لتجنب حرقة الوداع؟ ومن منا يستطيع تقديم طفله طوعا وبارادته الى مربع الموت؟