اغتيالات بمجرد الشبهة - غازي السعدي
لدى افتتاح جلسة الكنيست في دورتها الشتوية "13-10-2015"، وفي خطابه الافتتاحي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو":"إن الأعداء لم يتعلموا بأنهم لن يهزمونا، بل نحن نهزمهم المرة تلو الأخرى، وسنهزم موجة "الإرهاب" الحالية، وما يجري ليس بدافع عدم وجود عملية سياسية، وإنما الرغبة في إبادتنا". "نتنياهو" يرفض الربط بين الأحداث الجارية والجمود السياسي، فأقواله هذه-في رسالته إلى شعبه- كذب وخداع وتحريض، وتهرّب من قول الحقيقة أن سبب الهبة الشعبية الفلسطينية هو الاحتلال والاستيطان وسياسة القمع والقتل والإذلال، التي تمارسها حكومته، والحكومات التي سبقتها، الذين أرسلوا حثالة مواطنيهم للاستيطان في الأراضي المحتلة، عبر دعمهم مادياً وأمنياً، وزرعهم في وطن الفلسطينيين، فحكومة "نتنياهو" والحكومات الأخرى، يتحملون جريمة الاستيطان غير القانوني، فهم المجرمون ويتطلب معاقبتهم ومحاكمتهم أمام محكمة جرائم الحرب الدولية، إلى جانب معاقبة المستوطنين، وماذا يقصد "نتنياهو" بأن إسرائيل تخوض صراعاً مع الفلسطينيين حتى الموت، لماذا؟ فإن أمامهم الفرصة للحياة والعيش بسلام إذا ما تخلوا عن احتلالهم، أما إذا اختاروا الموت، فإن "نتنياهو" وزمرته يتحملون هذا الخيار. "نتنياهو" وحكومته يتحملون المسؤولية عن كل ما يحدث، فلماذا يتهربون من الاتفاقات؟ كذلك يتهربون من القانون الدولي، ومن قرارات الشرعية الدولية، فهذا هو التحريض بعينه، فالشارع الإسرائيلي فقد الشعور بالأمن، والحكومة تتخذ يومياً المزيد من الإجراءات القمعية ضد الفلسطينيين ظنا منها أنها تأتي بالأمن، لكن العكس هو الصحيح، وحسب استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجرته القناة السابعة بتاريخ "11-10-2015" ، أفاد 75% من المستطلعين أنهم غير راضين عن "نتنياهو"، ولا يثقون بقيادته، ويحتجون على عجز الحكومة عن تحقيق الأمن، وهناك مظاهرات يهودية احتجاجاً على عجز الحكومة ورئيسها عن تأمين أمنهم، لكن بدلاً من أن توجه هذه المظاهرات والاحتجاجات مطالبة بتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال، تطالب بالمزيد من قتل الفلسطينيين، فقد فُقد السلام من قاموسهم، كأنه أصبح غريباً عليهم، فالأمن لن يتحقق بالمزيد من العنف والعنف المضاد ، بل بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وإقامة دولته المستقلة. إن ما يثير الرعب لدى المؤسسة الإسرائيلية، أن عمليات المقاومة تأتي بمبادرة شخصية، لا توجد تنظيمات وراءها، بل هي تلقائية، وهبة شعبية ناتجة عن الظلم الذي يتعرضون له من الاحتلال ومن المستوطنين، فأجهزة الأمن الإسرائيلية- حسب جريدة "هآرتس13-10-2015"- عاجزة عن مواجهة ثورة السكاكين، ونائب الكنيست رئيس "الشاباك" السابق "آفي ديختر"، أعتبر أن إسرائيل تواجه مقاومين يحملون روح انتحارية، تعبر عن حجم المشكلة، أما النائب العربي في الكنيست "أحمد ألطيبي"، فإنه يعتبر استمرار الاحتلال استمراراً لأعمال العنف والمقاومة. إنه جيل جديد من الشبان الفلسطينيين الغاضبين الذين يشعرون بخيبة الأمل، نفذّ الموجة الجديدة من المواجهات مع قوات الاحتلال، فقد فقدوا الأمل بقيام الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات، ويؤمنون أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، ومن غير الواضح أن ما يحدث هو تمهيد لانتفاضة ثالثة ضد الاحتلال الذي بدأ عام 1967، عندما قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، وقطاع غزة، إضافة إلى أراض عربية أخرى، والنائب "أحمد ألطيبي" حمّل "نتنياهو" - بشكل مباشر- مسؤولية التصعيد الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، في محاولة لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، إنه جيل شاب وغاضب، ورد فعل طبيعي على خنق واستباحة حياة الفلسطينيين. "نتنياهو" اشتكى لوزير الخارجية الأميركية "جون كيري" طالباً إنقاذه مدعياً أن ما يجري سببه التحريض الفلسطيني، والأغاني الوطنية التي يبثها التلفاز الفلسطيني، حتى أنه طالب الرئيس الفلسطيني بعدم السماح ببث أغاني وطنية حماسية تعمل على تحريض الشباب الفلسطيني للعنف، فـ"نتنياهو" الذي أمر بتجنيد (13) سرية من سرايا حرس الحدود، إضافة إلى السرايا الثلاثة الموجودة في القدس، إضافة إلى آلاف الجنود والشرطة وقوات الأمن المختلفة، بمزاعم الردع وتطمين الإسرائيليين وإعطائهم الشعور بالأمن، لكنه يركز في رسالته إلى أبناء شعبه على تحميل الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" المسؤولية عن تحريض الشارع الفلسطيني على مقاومة الاحتلال، وجاء على لسان مسؤول كبير في "الشاباك"، أثناء جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي الأسبوعي، أن "عباس" لا يدفع باتجاه عمليات إرهابية، بل أوعز لأجهزته الأمنية، بإحباط العمليات قدر الإمكان، ومع ذلك فإن الوزير "نفتالي بينت"، مُصر أن "أبو مازن" يقف على رأس المحرضين، والمحرر العسكري لجريدة "يديعوت احرونوت 13-10-2015" كتب أن ما يُحرك الشباب الفلسطيني، ودفعهم للخروج إلى الشارع لطعن أفراد الشرطة والجنود والمدنيين، لأنهم أهينوا قومياً ودينياً بسبب ما يحدث في المسجد الأقصى، ورئيس حزب العمل "هيرتسوغ" يتهم الحكومة بجر الإسرائيليين إلى "مسادا" جديدة للانتحار الجماعي، وأنه لن يكون وزيراً في حكومة فاشلة، والنائبة "تسيفي ليفني" انتقدت زيادة القوانين والإجراءات ضد الفلسطينيين وزيادة القوات، لأنه ليس حلاً ولن يجلب المزيد من الأمن، ودعت إلى وقف الاستيطان، والالتزام بحل الدولتين، بينما وزير المواصلات "إسرائيل كاتس"، يصر على اتهام "أبو مازن" بالتحريض، وهناك حسب "هآرتس 12-10-2015"، ارتفاع كبير في التحريض على العرب، في شبكات التواصل الاجتماعي، و"نتنياهو" الذي يأمر بفتح تحقيق ضد النائبة "حنين زعبي"، بتهمة التحريض، فلماذا لا يأمر بفتح تحقيق ضد مظاهرات اليمين، الذين ينادون بالموت للعرب، فهل هناك أبشع من هذا التحريض؟ ووزير الجيش "موشيه يعالون" زعم أن المشكلة الأساسية تتعلق برفض اعتراف الفلسطينيين، وتنكرهم لحق إسرائيل بالوجود، متجاهلاً أن اعترافاً متبادلاً تم بين إسرائيل والفلسطينيين، ضمن وثائق اتفاق "أوسلو"، لكن "يعالون" هل يعترف بحق الفلسطينيين في وطنهم وإقامة دولتهم المستقلة؟ و "يعالون" يصر على استخدام القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين، والجواب ماذا أكثر من القيود بمختلف أنواعها وأشكالها المفروضة على الفلسطينيين، فمنذ احتلال عام 1967 وإسرائيل لا تنعم بالأمن، وجاءت الانتفاضة الأولى عام 1987 وإسرائيل لم تستخلص العبر، وجاءت انتفاضة الأقصى عام (2000)، وأيضاً تجاهلوا رسالتها، فهل تستخلص الحكومة الإسرائيلية نتائج هبة الشعب الفلسطيني التلقائي، وما يحدث حالياً، وأظن أنها لن تستخلص الدرس. في مؤتمره الصحفي بتاريخ "9-10-2015"، اعترف "نتنياهو" أن العمليات ضد الإسرائيليين ليست منظمة، بل تلقائية، لكنه عاد ولتبرير فشله باتهام السلطة الفلسطينية وحماس والحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، بالتحريض الكاذب، لكن جريدة "يديعوت احرونوت 8-10-2015"، وعلى لسان الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عارضت تقديرات المستوى السياسي، وتقديرات "نتنياهو" نفسه، حول طبيعة الدور الذي يلعبه الرئيس الفلسطيني، وجاء في تقرير الاستخبارات، أن "عباس" لا يحرض على العنف، ولا على تنفيذ عمليات، والعكس هو صحيح، فقد أصدر أوامره لأجهزة الأمن الفلسطينية، بالعمل على استتباب الأمن، ومواجهة أعمال العنف التي تفجرت على مدى الأسابيع الأخيرة، وقال ضباط كبير في الجيش الإسرائيلي، أن "أبو مازن" يعتبر جهة كابحة تعمل بقوة على تطويق الأحداث، وكذلك أجهزة الأمن الفلسطينية، الذين يواصلون التنسيق مع ضباط الجيش الإسرائيلي، وأن "أبو مازن" متمسك بالنضال السلمي، حتى أن خطابه في التلفاز الفلسطيني "14-10-2015"، الذي كان هادئاً وموضوعياً، اتهم بالتحريض أيضاً. خلاصة القول، فإنه لا أمل ولا فائدة ولا توقعات، من حكومة "نتنياهو" اليمينية العنصرية الفاشية المتطرفة، في التجاوب مع "أبو مازن" بالشأن الفلسطيني، بل أن شهادات أجهزة الأمن الإسرائيلية لصالح الرئيس لم تشفع له لدى حكومة "نتنياهو"، فالتحريض عليه متواصل، فهذه الحكومة التي تتنكر لجميع القرارات والاتفاقات، تعتبر الضفة الغربية جزءاً مما يسمى بـ"أرض إسرائيل التوراتية"، وإذا كان هذا هو الحال، وإذا استمر هذا الوضع، فإن القضية الفلسطينية تتعرض للخطر، وإلى الاندثار، مما يتطلب خطوات ثورية لقلب الطاولة على رأس "نتنياهو" رغم المخاطر، وطالما أن "نتنياهو" يتمسك بالاحتلال والاستيطان، فإن الحل من قبلنا يجب أن يكون بحل السلطة، ولتعم الفوضى وفقدان الأمن للإسرائيليين، خاصة وأننا لم نسمع سوى أصوات قليلة خجولة من قبل سياسيين إسرائيليين تتعلق بحل الدولتين، حتى أن الإذاعة الإسرائيلية "10-10-2015" تؤكد أن إسرائيل صاحبة السيادة على القدس والأقصى، وحسب القانون الدولي، الذي لا تلتزم به إسرائيل، فإن على المحتل حماية الواقعين تحت الاحتلال، وليس تنفيذ الإعدام بحقهم بمجرد الشبهة، بينما بالإمكان اعتقالهم دون إعدامهم، وفي منطقة بئر السبع، قام يهودي بطعن أربعة من العرب دون أن يطلقوا النار عليه، وكالعادة اعتبر هذا اليهودي مختلا عقلياً تمهيداً لتبرئته، فالعلاقات مع إسرائيل معقدة جداً، ولا أمل بإيجاد حل للقضية الفلسطينية على المدى المنظور.