الحاج أمين الحسيني وأكاذيب نتنياهو في إنقاذ نصف مليون يهودي
خالد محاميد
بنيامين نتنياهو قد صرح بأن الحاج أمين الحسيني هو من " اوعز لهتلر حرق اليهود وعدم ترحيلهم.". وتستمر من قبل اعضاء الحكومة الاسرائيلية ورئيسها الإدعاءات الكاذبة حول هذا الموضوع لهدف توظيفها " لتشبيه الفلسطينيين بالنازيين والادعاء بان هناك كرها لليهود منذ الازل والذين يريدون ابادتنا وهذا الكره ما يحرض الفلسطينيين لاعمال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان" وبالتالي لتوظيف موضوع الهولوكوست ضد الشعب الفلسطيني.
في الواقع وعلى ان الحاج امين الحسيني قد تواجد في المانيا اثناء الحرب العالمية الثانية بين 1941 و1944 وفيما إذا كان نتنياهو يريد ان يستغل هذا الحدث لدعايته المضادة للفلسطينيين فما قام به الحاج أمين الحسيني هو بالعكس تماما لما يدعيه نتنياهو فقد كان لوجود الحاج امين الحسيني في المانيا واستشاراته الاسلامية الانسانية للالمان نتيجة واحدة وحيدة وهي انقاذ اكثر من نصف مليون يهودي من الحرق في افران الغاز الذين تحولوا هذه الايام الى اكثر من مليون يهودي يعيشون في اسرائيل. وبسبب اعمال وارشادات الحاج امين الحسيني يجد اليوم نتنياهو حوله على طاولة الحكومة كل من :
وزير الداخلية تسيون سيلفن موشه شلوم المولود في بلدة قابس في تونس والذي قال يوما انني ساقبل جبين من انقذ حياة عائلته من براثن النازيين في تونس.
وزير المالية موشيه ابن يهودا وميسا كحلون المولودان في طرابلس ليبيا
وزيرة الثقافة والرياضة ميري سيبوني ريغف ابنة والدين من المغرب
وزير الاقتصاد ارييه مخلوف درعي المولود في مكناس المغربية
وزير الاديان دافيد ازولاي المولود في مكناس المغربية
وسفير اسرائيل في الامم المتحدة داني دنون ابن لاب مصري ولد في المغرب وام من جذور تركمانستانية
وهؤلاء الوزراء كلهم وكل اليهود الاسرائيليين ذوي الاصول من المغرب العربي ما كانوا ممكن ان يعيشوا لو تم للالمان النازيين ما خططوا له ضد آبائهم ولولا تعليمات الحاج امين الحسيني للقادة العرب في دول المغرب العربي اثناء الاحتلال النازي ابان الحرب العالمية الثانية للتعامل مع اليهود الذين بين ظهرانيهم وفقا للحضارة العربية والاسلامية وعدم الانصياع لتعاليم الضباط النازين.
وهذا ما سنأتي على إثباته في النص التاريخي المهم الذي كتبه الدكتور روبرت ساتلوف، ويهودي صهيوني والذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى, ". كان قد أصدر كتابا في سنة 2006 تحت عنوان "Among the Righteous" والذي يعني " بين الشرفاء" من إصدار (Public Affairs, New York).
يستعرض ساتلوف في الكتاب وضع اليهود في كل من المغرب الجزائر تونس وليبيا تحت حكم النازيين والفاشيين على هذه الدول العربية التي استمرت ما يقارب الثلاث سنوات, ما بين أكتوبر 1940 وحتى اغسطس 1943، حين احتلت المانيا فرنسا وعمل وفقا للقوانين المعادية لليهود التي سُنت من قبل حكومة "فيشي" الفرنسية التي كانت متخاذلة مع النازيين.
قرر آدولف هتلر بأن يحتل بلدان المغرب العربي بذريعة : " التخلي عن أفريقيا يعني التخلي عن البحر المتوسط " (ص 17) ومن هنا جاءت سيطرته على دول المغرب العربي (لبنان وسوريا كذلك) عن طريق حكومة "فيشي" الفرنسية الموالية له وكانت خطته بإبادة 700000 من يهود فرنسا الذين تشكلوا من 200 ألف يسكنون فرنسا ونصف مليون يعيشون دول المغرب العربي (ص 19) وفقا للخطط التي رسمها أدولف آيخمان.
حكومة "فيشي" أقرت قوانين نيورنبرغ العنصرية ضد اليهود وبدأت بتنفيذها في الدول العربية التي كانت تحت سيطرتها وكذلك فعلت الحكومة الفاشية الايطالية التي احتلت قواتها ليبيا. هكذا بدأت مصادرة الأملاك والإقصاء عن الوظائف والتجنيد لمخيمات العمل بالنخاسة. "كان موسوليني وإيطاليا الفاشية قد حقق مآربه في السيطرة على ليبيا سنة 1931...في سنة 1938 كان قد سن القوانين ضد اليهود في دولته وبدأ الطليان بممارسة الاضطهاد ضد اليهود الليبيين الذين بلغ تعدادهم حوالي 30000 يهودي...وركزوا حوالي 2500 منهم في معسكرات التركيز "غيادو" و"الغريان" و"سيدي عزاز" لهدف نقلهم الى معسكر الإبادة "أوشفيتس" في بولندا (ص 42) ولكن دفاع العرب عن اليهود أفشل مخططات الفاشيين ولم يُرَحّْلْ اليهود لأوشفيتس.
لم تتمكن الحكومة الفرنسية الفاشية والإيطالية من تنفيذ المخططات كما في الدول الأوروبية لأن العرب في هذه الدول قاوموا بكل ما أوتوا من قوة لعرقلة تنفيذها وهكذا كان. وكما يلخص ذلك ساتلوف بقوله " الوضوح بهذا الأمر مهم : في الواقع لم تشترك الجماهير العربية ولم تدعم المشروع الفاشي الذي جلبه الأوروبيون والمعادي لليهود في شمال أفريقيا" (ص 74).
" كانت الجزائر تشكل أحد المسارح الذي شهد أهم فترات تضامن العرب مع اليهود (ص 105).
هكذا ردَّ القائد الوطني الجزائري " فرحات عباس" على مقترحات "فيشي" لاضطهاد اليهود : "عنصريتكم تضرب في كل الاتجاهات ؛ اليوم ضد اليهود ودائما ضد العرب"...وكان رد قائد الحزب الشعبي الجزائري السجين " ميسالي حاجي" على أوامر "كريميكس" العنصرية ضد اليهود بالقول " هذا ليس تقدما للجزائريين ؛ المس بحقوق اليهود لا يعني زيادة حقوق المسلمين" (106) حيث يضيف ساتلوف "ولهول المفاجأة كان مصدر روح التضامن مع اليهود عند الجماهير العربية هو المؤسسة الإسلامية وتعاليمها" (107).
حين بدأ قائد حزب الإصلاح عبد الحميد بن بديس, وأعقبه الشيخ طيب العقبي, في إنشاء علاقات مع قادة الجالية اليهودية وقام سنة 1942 بمنع الجنود الجزائريين من تنفيذ مجازر ضد اليهود خطط لها الفاشيون الألمان والفرنسيون وأصدر أمرا يمنع المسلمين من مهاجمة اليهود...
وعبر مكبرات الصوت وجه أئمة المساجد نداءً الى مسلمي الجزائر يناشدونهم بالامتناع عن جني الأرباح على حساب مآسي اليهود... لقد حصلت هذه التضحيات في الوقت الذي كان فيه المستوطنون الفرنسيون يزدادون ثراءً على حساب اليهود في الجزائر, وهي تعد من الأفعال النبيلة التي تسجل في ميزان حسنات المجتمع المسلم" (ص 107). ولم يشارك المسلمون في شراء الممتلكات اليهودية المصادرة عندما عرضها الألمان والفرنسيون للبيع.
السلطان المغربي محمد الرابع قالها بصوت عال أمام ضباط حكومة "فيشي" : يجب أن أعلمكم بأن اليهود سيبقون تحت حمايتي".. قالها بصوت يسمعه الضباط وعلى الأقل صحافي فرنسي واحد لينقل الرسالة.." أرفض أن أميز بين أفراد مملكتي", وقام قبل ذلك بتهريب زعماء من اليهود الى القصر ليعلمهم "بأن سن القوانين النازية رسميا لا يعني تطبيقها فعليا " (111).
وكان دور مماثل لحاكم تونس أحمد باشا بك الحسيني وحكومة ابن عمه منصف بك الحسيني عندما أصدر الأخير أوامره لحماية اليهود كما كتب أحد المؤرخين قائلا : " حال نشاط منصف بك وحكومته دون إغراء الشعب التونسي من قبل الألمان وأعمالهم وعمل على توحيد الشعب"... ويقول ماتيلدا جويز من سوسة بأن البك جمع كل الموظفين والوزراء في قصر الباردو وأصدر الأمر التالي : " يمر اليهود بأوقات عصيبة ولكنهم تحت حمايتنا ونحن المسؤولون عن حياتهم. وإذا اكتشفنا مخبرا عربيا يتسبب في سقوط شعرة واحدة من شعر يهودي, سيدفع هذا العربي حياته ثمنا لذلك " (ص 113).
هنا يجب أن نذكر بأن القادة العسكريين الألمان قاموا بإعداد معسكرات التجميع في كل من المغرب والجزائر وتونس وبدأوا بحشد اليهود فيها لهدف نقلهم الى معسكرات الإبادة في أوروبا.
ولولا حضارة العرب والشعوب غير العربية في هذه الدول والتعاليم الإسلامية لكان نصف مليون من يهودها قد لقوا حتفهم بأيدي النازيين في فترة سيطرة هؤلاء على هذه الدول لفترات من الزمن تتراوح ما بين السنتين والثلاث سنوات. هذا الأمر المذهل يكشفه لنا ساتلوف في كتابه.
هذه هي أكبر المفارقات التاريخية التي علينا نحن العرب أن نتداولها في المحافل الدولية وفي نقاشنا مع الطرف الإسرائيلي, والتي مفادها أن المليون إسرائيلي الذين بقوا على قيد الحياة بفضل أخلاقياتنا العربية وجهود أبناء الأمة العربية, يقومون اليوم في إسرائيل بتشريد الشعب العربي الفلسطيني بشكل لا يصدقه العقل.
ففي حين قام أبناء الشعوب الذين احتل الألمان النازيون أراضيهم بتقديم مساعدة عملية لإبادة اليهود في أوروبا كما وصفنا سابقا في تطرقنا الى إبادة يهود هنغاريا, قام العرب وفق ما يشرحه لنا روبرت ساتلوف اليهودي الفخور بإسرائيل, بالحفاظ على حياتهم.
وللمقارنة نسرد ما حدث ليهود هنغاريا التي قتل فيها اجداد رئيس حزب "يوجد مستقبل " يائير لبيد فيخبرنا يوسف شتيرن (كيتشي) في مقالة له في كتاب "أَشيِرْ زَخَارْنُو لِسَبِّير" (ما تذكرناه لنحكيه) بقوله : "وهكذا وخلال 4 أشهر من سيطرة النازيين على هنغاريا وبمساعدة السلطات الهنغارية (والشعب الهنغاري) استطاع الفاشيون الهنغار والنازيون الالمان إبادة 400000 يهودي هنغاري بأفران الغاز."(ص 312 ) (في الواقع أبيد 440000 يهودي من يهود هنغاريا في الهولوكوست(
وهكذا كان ولاء العرب لإنسانيتهم وتعاليمهم السماوية المسلمة قد وفر للمشروع الصهيوني الكارثي الزخم الديموغرافي الذي يتمثل بإعداد اليهود للهجرة لأسرائيل بعد قيامها كدولة وتهجير أبناء شعبنا الفلسطيني, ولولا هذه الهجرة لما تمكنت إسرائيل من القدرة على بناء مشروعها
لذلك يتوجب علينا أن نجيب على السؤال : كيف يمكن لمليون يهودي يدينون بحياتهم لحضارة أبناء شعوب المغرب العربي والتعاليم الإسلامية وارشادات الحاج امين الحسيني أن يردوا الجميل على شاكلة تهجير 700000 من أبناء شعبي الفلسطيني وزجه في المخيمات واللجوء.
هل لهؤلاء الوزراء درعي وريغيف وازولاي ودنون وموشي كحلون وسيلفان شلوم ان يقبلوا جبين الحاج امين الحسيني اعترافا منهم بالمعروف لانقاذ آبائهم من الحرق في الهولوكوست والطلب من نتنياهو ان يعيد اعتباراته بالنسبة للكراهية وتلفيق التاريخ.