من يوقف مجزرة الإعلام- حسن سليم
من قال انه بمجرد امتلاكك لبطاقة صحافة، أو لصفحة الكترونية، يمكنك المس بالناس، وبمشاعرهم؟ تحيي من تريد، وتميت من تريد وتجعلهم شهداء؟ من قال ان من حقك ان تفاجئ شابا يجلس مع أصدقائه بانه نفذ عملية استشهادية، لتجعل منه خبرا عاجلا، وتجعل أسرته تضرب أسداسا بأخماس، وتتسبب باعتقاله؟ من قال ان من حقك ان تخبر أسرة باستشهاد احد أفرادها دون الأخذ بعين الاعتبار الصدمة التي ستتعرض لها؟
أسئلة كثير وكبيرة مشروعة يطرحها الشارع، وهو يعرف إجابتها بألم وعتب شددين على من يمارس هذا السلوك البعيد كل البعد عن أخلاقيات مهنة الصحافة او النشر، ولكنه يتطلع للجم هذا السلوك الذي تنامى بشكل سريع منذ اندلاع الهبة مطلع الشهر الجاري، من قبل بعض "الهاوين والمتشعبطين" على مهنة الصحافة ما يستوجب الوقوف عندها مطولا، وتستلزم موقفا حازما من قبل نقابة الصحفيين، ومن قبل كل من له اختصاص.
ويتساءل الشارع أيضا، كم مصيبة يجب ان نمر بها حتى نتعلم؟ وعلى أي سبق صحفي يتصارع الناشرون؟ فخبر الموت سيأتي ولا سبق فيه، وان كان لا بد من تناوله، فهناك ألف طريقة وطريقة لتناوله وتداوله، بدلا من تلك الطرق البشعه التي يتم استخدامها، فلكل شهيد قصة وحكاية، الكتابة فيها تحتاج لأيام لمن أراد أن يكتب، ممن يدعون تعاطفهم مع الشهداء ورغبتهم في توثيق استشهادهم، أقلها ليخبر العالم، ما الذي دفع الشهيد ليكون في هذا المربع.
وصورة اخرى تستوجب الصراخ في وجه من يتلذذ بوجع الناس وألمهم، ومنها عرض صور جثامين الشهداء وهي غارقة بدمائها، بذريعه فضح الجريمة، والحقيقة ان في ذلك اعتداء على حرمة الجثمان، ومساس بالشهيد وجسده، ومشهد محزن ومؤلم لأسرته ولا سيما عند تكرار النشر، وان كان لا بد من تعريف الجمهور بالشهداء فلننشر صورهم الجميلة، بابتسامتهم العريضة، ولنخبر العالم كم كان هؤلاء الشهداء يحبون الحياة، ولكن الاحتلال حرمهم منها.
ولعل أكثرنا شاهد كما كان يتلذذ من أجرى المقابلة مع الطفل البريء احمد دوابشة، وهو يرقد على سرير الشفاء باسما، غير مدرك لما حدث لعائلته، وسؤاله عن والده، ووالدته، وشقيقه علي، وهو لا يعلم انهم قد غادروا الى دار الحق، شهداء. ونعلم جميعا وشاهدنا الطريقة التي تم بها التعرف على الشهيد جردات، وكيف كاد والده ان يذهب ضحية الأسلوب غير المهني وهم يعرضون صور الشهيد عليه، وتابعنا ايضا كيف تم الإعلان عن الجريح محمد الشلالدة، وكيف تم الإعلان عن استشهاده وتبناه احد الفصائل وطبعت له بوسترات وزعتها في الشوارع، وما حل بأسرته، لتكتشف لاحقا ان خبر الاستشهاد غير صحيح.
واضح في ظل هذا السلوك والاستهتار من قبل البعض، أن الضرورة واجبة لإصدار قانون الإعلام، لضمانة رقابة للقانون، وكذلك لتعديل قانون العقوبات بما يردع غير المبالين بما ينشرون، فمن الواضح وبشكل عملي ان هناك غيابا لرقابة القانون على الاعلام الالكتروني، وانه يعمل بشكل مطلق دون رقابة، ما ينذر باتساع مساحة المس بخصوصية المواطنين دون رادع او خوف من مؤاخذه قانوينة، وفي ذات الوقت يضع المواطنين الذين يتم المساس بهم في مرمى الناشرين، دون المقدرة على مخاصمتهم في ساحة القضاء.
بالطبع حرية الرأي والتعبير مكفولة في القانون الاساسي، لكن الفرق شاسع بين حرية الرأي وبين الرأي الموتور والخبر الكاذب. وثمة من يصف ما يجري، وما يمارس في حق الإعلام من قبل " المتشعبطين " على سلمه، كمن يريد جنازة يشبع فيها لطما.