تحريض "علي الدوابشة" ونتنياهو "سيد هولوكوست"- خالد محاميد
لن يمر حادث حرق عائلة الدوابشة دون ان يفعل فعله المؤسس الجذري في وعي الاسرائيليين اليهود ويهود العالم الذين يعتمدون في تركيبة وعيهم الاساسية وبناء نفسيتهم على احداث حرق اليهود في الهولوكوست.
الشيء الجديد في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو حدوث جريمة حرق عائلة فلسطينية من قبل مستوطنين يسمعون ويتفهمون ابعاد تصريحات الحكومات الاسرائيلية وتفاخر رئيسها نتنياهو بدعم المشروع الاستيطاني الذي يشكل جوهر نشاطه السياسي والثقافي ومشروع حياته الذي يحلم ويعمل على تحقيقه مستعملا كل الحيل السياسية تجاه العالم وبالاخص الادارة الاميركية. الذي كما يحلم سيتوجه لطرد الفلسطينيين اذا سنحت له الظروف الجيوسياسية، خاصة ان 7 ملايين من الشعب السوري قد شردوا من ديارهم وعددا من ملايين العراقيين لتكون مشهدا يعطي الشرعية لعدم انصياعه او تأثره بما سيقول العالم فيما اذا طرد الفلسطينيين.
اعتمد نتنياهو رواية الهولوكوست في اسكاته لطلب اوباما عندما بدأ فترة حكمه بايقاف البناء بالمستوطنات حين تلاه بهذا الطلب كل قادة الدول الغربية. ونجح نتنياهو بهذه الاستراتيجية حين اعلن اوباما ان تدخله في الشرق الاوسط "حرق اصابع يدي".
كان نتنياهو انتظر الرد على طلب اوباما لإيقاف البناء في المستوطنات الى حين زار اسرائيل في 7-9-2009 وزير خارجة ألمانيا الحالي انذاك فرانك ولتر شتانيماير قائلا: ان "الطلب من اسرائيل ايقاف البناء بالمستوطنات هو نفس سياسة النازيين اليودن ريين" أي سياسة البلاد النظيفة من اليهود التي اعتمدها النازيون في اجلاء اليهود من الدول الاوروبية.
وهذه هي استراتيجية نتنياهو في تمرير سياسته لإسكات العالم. كان رد شتاينمايير أن هز رأسه وقيل على لسانه بما معناه"، ماذا يستطيع ان يقول وهو يمثل شعبًا أباد 6 ملايين من اليهود". بعد هذه المقولة وبعد ان بعث نتنياهو ايلي فايزل الحائز على جائزة نوبل للسلام والناجي من المحرقة للحديث الى قلب اوباما الذي بدوره توقف عن المطالبة بايقاف البناء بالمستوطنات وهدم بيوت الفلسطينيين في القدس. عندها ادرك اوباما قوة استعمال الهولوكوست لتلبية مطالب اسرائيل، وقال ان: "اصابعه احترقت في الشرق الاوسط" ونرى نتيجة ذلك الآن بتفاخر نتنياهو بأن البناء بالمستوطنات مستمر وبأنه هو العامل الفعال في هذا البناء.
ان استعمال نتنياهو لرواية الهولوكوست وحرق ستة ملايين من اليهود وعلاقتها بحرق المستوطنين لعائلة الدوابشة هي القفزة النوعية في مكونات الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
فاليهود في العالم رأوا بأم اعينهم ان حرق عائلة فلسطينية على ايدي "شباب الهضاب" كما يسمون هو امر ممكن الحدوث، وهو نتيجة مباشرة لدعم نتنياهو المادي والسياسي والقضائي والايديولوجي لمشروع الاستيطان باستعمال نتنياهو الفريد من نوعه لرواية الهولوكوست بمشاهدها البشعة العنيفة وضخم تأثيرها على وعي الانسان خاصة قادة الدول الغربية وبالذات اوباما والمانيا منفذة سياسية "بسبب الهولوكوست" لدعم اسرائيل الاعمى.
ان استعمال حرق 6 ملايين من اليهود في اوروبا امام مطالب الفلسطينيين يضع الصراع امام معضلة لا مخرج لها.
هذا ما فهمه اطفال فلسطين اثر حرق عائلة الدوابشة وبالاساس أن لا أحد يستطيع ان يدافع عنهم. لا الجيش الاسرائيلي الذي يحمي المستوطنين ولا الرأي العام الاسرائيلي ولا حتى اليساريين منهم بعد ان تخلى اوباما والغرب عن التزامه الادنى بحماية الفلسطينيين.
هذه العلاقة تضع الاسرائيليين في تخبط نفسي وفكري جوهري عميق حيث يرون أنهم يستقون تشريعاتهم لمعاملة الفلسطينيين من خلال كونهم ضحايا الهولوكوست ولن يستطيعوا ان يدركوا أن من يحرض الاطفال والشباب الفلسطينيين ليس الرئيس ابو مازن كما يدعي نتنياهو بل هو مشهد الطفل علي الدوابشة الضحية الذي استشهد حرقا على ايدي مستوطنين متسلحين بأيديولوجية ممنهجة يرسمها نتنياهو ويرددها كل يوم باعتمادهم على مأساة حرق 6 ملايين يهودي في الهولوكوس.
لكن سيد الهولوكوست نتنياهو لا يدرك أن خضوع وعيه لضحيوية الهولوكوست لا يستطيع ان يبني مشروع دولة ولا ان يشرعن الاحتلال لأن الهولوكوست أقوى من ان يستعمله شخص حتى لو كان قائد دولة ضحايا الهولوكوست المعرفة باسم "دولة اسرائيل".
تضع هذه المعادلة الوعي الاسرائيلي امام مشهد يفقد فيه انسانيته المطلقة التي بالتالي ستؤدي الى تخليه عن احلامه السياسية في الشرق الاوسط واكبر دليل على ذلك هو عدم ادراكه لماذا يتركون طفلا "احمد مناصرة" ينزف امام الكاميرات دون تقديم الاسعاف الاولي له واعتبروه مخربا فقط لهربهم من الحقيقة ان احمد مناصرة طفل رأى مصيره كمصير علي الدوابشة ولم يجد تفسيرا من سيدافع عنه. ما يعيدهم الى الحقيقة بانهم يخضعون لوعي رسمه لهم هتلر لكي يكونوه: ضحايا مهزومون وليسوا اناسًا احرارًا كفئين يستحقون التعامل كباقي شعوب الارض او الغربية" المتحضرة" منها.
انها انتفاضة وتحريض مشهد حرق علي الدوابشة وتشريع الاحتلال المتسلح برواية الهولوكوست لحرق اطفال فلسطين في منامهم.
وهتلر بجعله اليهود يتصرفون تجاه حقوقنا الفلسطينية وفق اعتمادهم على وعي ضحايا مهزومين لن ينتصر اليوم بتحديد العلاقة بين الفلسطيني والاسرائيلي وليس على الفلسطيني ان يدفع ثمن جرائم النازيين ضد اليهود بتقبله بناء المستوطنات على ارضه وتشريده في مخيمات اللاجئين.
ولن يتمكن نتنياهو بتمرير سياسته وإسكات العالم الذي يقف ضد بناء المستوطنات في اعتماده على رواية الهولوكوست لأن ما يعنيه الاعتماد على رواية الهولوكوست ضد الشعب الفلسطيني هو انهيار المشروع الصهيوني كله.