زواج الشهداء، براءة ابداع خليلية - حسن سليم
في فلسطين لا يغلق الإبداع باب، حتى وان كانت المناسبة وداع الشهداء الى مثواهم الأخير، حيث لحظات الحسرة على رحيل الأحبة، وحيث الدموع الساخنة تنهمر، وهو ما تجلى في طلب عائلة الشهيد رائد جرادات يد الشهيدة دانيا ارشيد لشهيدهم رائد.
مشهد لم يشبهه مشهد في أي من بقاع الأرض، ولم يخطر ببال بشر، لانعدام تحققه، ظنا انه الفعل المستحيل، لكنه حدث في فلسطين.
هو إصرار الفلسطيني على استدعاء الحياة والفرح من جديد رغم الألم، وتأكيد على أن الفلسطيني لا يموت بل يتجدد، وهذا ما فعلته عائلة الشهيد جردات وعائلة الشهيد ارشيد رغم علمهما بان جنة عرضها السموات والأرض تنتظرهم، فمثوى الشهداء هي جنات الخلد باذن الله تعالى.
مشهد سعير، شمال مدينة الخليل، تلك البلدة العنيدة التي لا تنام على ضيم، لم يكن عاديا، ولن يكون، وهو يجسد إعادة صياغة وتطويع المنطق الذي طالما خضعنا له حكما، لاعتقاد بائس بأنه نهاية المستحيل، ليأتي المشهد بغير ذلك.
الشهيدة ارشيد ابنة 17 ربيعاً، بمريولها الأخضر، والتي تم إعدامها قرب الحرم الإبراهيمي في الخليل، بعد أن صرخ عليها الجنود "أعطنا السكين التي تحملين"، فصرخت إلى أن أسكتتها الرصاصات الغادرة في رقبتها وصدرها، عادت ونطقت اليوم بإعلان موافقتها على الاقتران بالشهيد جرادات الذي هب للثأر لها في اليوم التالي، بعد أن لم يطق صبرا على مشاهدة دمها النازف قرب الحرم الإبراهيمي، وجسدها الطاهر ملقى على الأرض يقطر دما، حتى استدعاها الرب، فصعدت روحها للسماء، فلحقها الشهيد رائد مسرعاً ليكون الخلود الأبدي معها.
عرس الشهيدين رائد جردات ودانيا ارشيد، لا مهر فيه غير الوفاء، ولا غناء فيه غير أهازيج الوداع، ولباسهما موحد بكفن يغطيه العلم.
مشهد قد يرى فيه البعض تجاوزاً للمنطق، وقفزاً على ما تعارفت عليه البشرية منذ الأزل، نعم هو كذلك، لأنه أصر على تجاوز هذا النوع من الصلف البشع لاحتلال خلع ثوب الإنسانية، وتنازل عن ابسط القيم، وجعل من دم الفلسطيني شرابه اليومي، ومن جسده لحم شواء لاحتفالية كل ليلة.
هي براءة الابداع السعيرية الخليلية الفلسطينية بامتياز، التي تم تسجيلها لدى دائرة براءة الاختراع الوطنية، وهي الدرس الذي يجب أن يتصدر مناهج الحياة، ويصبح متطلبا إجباريا في الجامعات، لا مجال للتخرج دون التفوق فيه، وليس فقط النجاح.
هنيئا لرائد ودانيا عرسهما، وللخليل بما أبدعت، ولفلسطين بما أنجبت.