"صخر حبش.. فكر متقد" - عيسى عبد الحفيظ
صخر حبش (ابو نزار) فارقنا منذ ست سنوات تاركا خلفة ارثا تنظيميا هائلا, وفكرا وثابا, وكتباً كثيرة تتناول المسألة التنظيمية والفكرية, وكتباً في الشعر والقصة القصيرة, وفوق كل ذلك سمعة جيدة لم تحد عن الثوابت سواء المالية منها أو الأخلاقية أو السلوكية. عصامية تحظى بالاعجاب وممارسة تعكس المبادئ التي نشأ عليها صخر حبش.
وطنية صادقة, وغيرة على الشمعة الشخصية التي كان ما يفتأ يرابطها بشكل ميكانيكي بسمعة الثورة. كان يرى وهو على حق أن سمعة الشخص هي التي تحدد مدى مصداقيته أمام الناس. لذا, كان لا يفتأ يولي هذا الجانب ليس لنفسه فقط, بل ولجميع العاملين معه اهمية قصوى, وكان لا يتردد في ابعاد أي شخص ذكرا كان أو أنثى عن مجال العمل المرتبط به وتحت مسؤوليته, اذا ما أخل أو أخلت بتصرف قد يجلب أية شبهة اخلاقية بسمعة الجهاز.
مواليد بيت دجن قضاء يافا عام 1939 وتحديدا في شهر نوفمبر وفي العاشر منه. أي رأى بأم عينيه ما حدث لشعبه وكان يذكر الهجرة عام 1948 جيدا. تلك الذكريات لازمت صخر الطفل حتى شبابه, ولذلك انخرط في صفوف فتح مبكرا, وتخرج مهندسا في هندسة الجيولوجيا ليكرس كل علمه وعمله في خدمة الثورة. قرأ الماركسية والمادية والرأسمالية والاسلام بشكل عميق أهلته ثقافته الواسعة ليصبح من أهم من كتبوا في فكر حركة فتح, كما أهلته دراسته لكل تجارب الثورات الجزائرية والفيتنامية والصينية, ليكتب عن السجل الذي سيمكن الكادر الفتحاوي من التقدم الى الامام نحو التحرير.
كان لي شرف العمل تحت امرته في دار الكرامة التي أنشأها من لا شيء تقريبا, وبقي يحاول جاهدا لشراء الطابق تحت الأرضي الذي كان مليئا بالمياه الراكدة والقاذورات, فحوله الى قاعة محاضرات تعقد كل أسبوع وتضم تحفا من الرسوم الفلسطينية التي استطاع أبو نزار انقاذها من بيروت ومنها بل وأهمها لوحة الفنان الراحل اسماعيل شموط والتي تحمل النكبة والعودة. كان رساما موهوبا فقام بتكليف الرسام المرحوم بهاء البخاري برسم عشرة من أعضاء مركزية فتح الذين قضوا وعلق صورهم في صدر القاعة. أيضا قام بعرض الرسومات بل والصور التي توثق شخصيات القيادة, واللوحات النادرة التي تصور كفاح الشعب الفلسطيني على أطراف قاعة الاجتماعات.
كان حرصه على الوحدة الوطنية عاليا وربطته بكل الأخوة في التنظيمات الفلسطينية علاقة مميزة, حتى انه كان يطلب منه التوسط لحل اشكالات تبرز بين الفينة والاخرى بين هذا التنظيم وذاك, وكثيرا ما كان ينجح في فض الاشكالات واعادة المياه الى مجاريها.
رد على من طرحوا أن لا ثورة بدون نظرية ثورية بشكل علمي ومقنع.
قال في كتابه التنظيمي إن النظرية أو ما تحدد الهدف وبما أن الهدف هو التحرير فقد اثبتت حركة فتح نظريتها الثورية بالممارسة وليس بالقول. ضم تحت جناحيه كل الاتجاهات الفكرية والعقائدية والتي طغت على سطح حركة فتح بقوة في السبعينيات وفي بيروت التي تزدهر فيها المدارس الفكرية.
كان صديقا وأخا كبيرا لليسار ذي التوجه الماركسي وصديقا متفهما له, وتربطه علاقات مميزة بأصحاب الفكر القومي, وعلاقات ممتازه مع ذوي التوجه الديني. كان يرى أن المعركة مع هكذا عدو شرس تتطلب توحيد كل الجهود من أقصى اليمين الى أقصى اليسار مرورا بالقومية والأممية.
كان صاحب رؤيا توحيدية لا تفرط حتى بعنصر بسيط. فما أن يغضب احدهم من مسؤول جهازه حتى يبادر ابو نزار الى اقناعه بالانتقال الى جهاز آخر, وهكذا يضمن أمرين: ابقاءه في الحركة, والنأي به عن الانحراف الى طريق آخر. لا يتردد في نقد سلوك مسؤول أخطأ وعلى مسمع منه. مازحته مرة أن لا مرافقين معه سوى السائق فرد بكل ثقة أن كل الحراسات المسلحة حول المسؤول ترمي سلاحها ولا تجرؤ على الاقتراب من الحاجز الاسرائيلي. اذن مم يخشى ذاك المسؤول, أمن شعبه تأتي الخشية؟ اذا كان الأمر كذلك فهذا ليس مسؤولا.
عايشته في تجربة صحيفة "الرصيف" والتي كانت تصدر شهريا ثم نصف شهرية ثم طورناها الى أسبوعية, وكانت استمرارا لرصيف بيروت اثناء الاجتياح وبرئاسة تحرير الأخ الصديق حسن صالح, وخضنا معارك شبه مستمرة للنقد الذي كنا نكتبه بموافقة "ابو نزار" شخصيا بل وبتشجيع منه.
اهتم بالتوثيق وتاريخ الثورة فاحتفظ تقريبا بكل اصدارات الثورة من مجلة فلسطين الثورة الى جريدة فتح الى كتب قيمة ما زالت بمعظمها في مكتبته التابعة لدار الكرامة.
أصدر عددا كبيرا من الكتب نذكر منها على سبيل التذكار فقط:
- عشرون ديوانا في الشعر منها: لأنك زاهرة
- دراسات وكتب سياسية وقضايا تنظيمية
- ثمانية عشر كتابا اهمها قضايا تنظيمية, النقد والنقد الذاتي, المركزية الديمقراطية, قصتان وخمس مسرحيات: رواية سلمة, اشعار في زمن الفتح
- خواطر: عبور الخيول الفلسطينية
وكثير من المقالات والمحاضرات والخطابات والمقابلات الصحفية والفن التشكيلي.