فوز أردوغان وخيبة حماس- حسن سليم
ثمة من يعتقد أن فوز أردوغان في الانتخابات التركية وحصوله على أصوات الناخبين التي تمكنه من تشكيل الحكومة دون الحاجة لمفاوضات التحالف مع باقي الأحزاب والكتل البرلمانية، هو سبب كافٍ لكي تعبر حماس عن فرحتها الجارفة بهذا النصر، وليتم تنظيم مهرجانات النصر، وترتفع صور المنتصر التركي في ميادين غزة، وليتسابق قادتها والناطقون باسمها للتعبير عن الامتنان لله ان أغدق بالنصر على أردوغان، حسب ما ورد على لسان موسى ابو مرزوق بان هذا النصر " أغاظ الصهاينة ورد كيدهم في نحورهم"، وبان هذا النصر " أعطى أملا جديدا في مستقبل المنطقة، في الحرية والديمقراطية والتطور".
لكن كان الأهم لحركة حماس، وهي تتعاطى مع الفوز وكأن لها فيه نصيب، او شريكة في احرازه، ان تفهم لماذا صوت الأتراك في الانتخابات لأردوغان وحزبه، وتسأله كيف خلص بلاده من الورطة الاقتصادية التي مرت بها، وما هي الانجازات التي تحققت لتركيا، وهذا يحسب لاردوغان وحزبه بما تحقق من نقلة نوعيه في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهذه حقيقه لا يمكن إنكارها عليهم، وتسأل المواطن التركي ماذا لمس من تغيير في حياته المعيشية حتى يعطي اردوغان ثقته، وكان من المفيد لو علموا أنه في عهد أردوغان قد تم انشاء عشرات المدارس والاف الغرف الصفية، ومئات المستشفيات، اما متوسط دخل الفرد السنوي فقد ارتفع منذ تسلم حزبه الحكم من 3.5 ألف دولار، الى 10.5 ألف دولار، وتم نقل تركيا من الترتيب 111 إلى الترتيب 16 على العالم في القوة الاقتصادية، وتم رفع قيمة صادراتها 23.5 مليار دولار، واليوم صادراتها تجاوزت 153 مليار دولار. لكن الغريب أن حماس لم تتعلم الدرس، ولم تأخذ بالعبر من نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الاخيرة ولا من السابقة لها، ولم تسأل نفسها لماذا صوت الناخب التركي، ولم تفهم حقيقة ودوافع تصويت الناخب التركي، الذي برره اردوغان بانه كان يبحث عن الاستقرار، وبانه رسالة إلى المسلحين بأن العنف لا يمكن أن يتعايش مع الديمقراطية، وبأن الناخبين يفضلون العمل والتنمية على الجدال والشجار، وفقا لتصريحات اردوغان بعد اعلان النتائج. في وقت تمارس حماس الحكم عنوة بالحديد والنار على شعب اعزل ومحاصر، وترفض تداول السلطة، في وقت تتغنى بالديمقراطية التي اوصلت اردوغان للحكم دون ان تجرب ممارستها بعد انقطاع قارب على العشر سنوات.
لم تسأل سلطة حماس يوما منذ أن فرضت سلطتها في صيف 2007، المواطن المغلوب على أمره، ان كان فعلا يريدها ولية لأمره أم لا، ولم تسأل لماذا فضل العشرات من الشباب الهجرة، ممن تسنى لهم الخروج من القطاع، وهم يعلمون ان الاحتمال الاكبر لمصيرهم هو الغرق في عرض البحر، ومع ذلك خرجوا، ولم تسأل كيف قبلت ان تجعل من القضية الوطنية ورقة في جيب سماسرة، بانقسام دام احدثوه، وأوهموا انفسهم بان دولة قد قامت في غزة، وفي الحقيقة هي سجن كبير، وكيف قبلت ان تجعل من وجع الناس بضاعة تستدر بها زكاة الاثرياء؟
ومفارقة اخرى اوردتها مباركة حماس في بيان المباركة بان الفوز لحزب العدالة والتنمية ما كان ليتحقق إلا بفضل الله، ثم بالالتحام بالشعب التركي وقضاياه، دون ان تخبرنا حماس لماذا لم تحصل حتى اللحظة على مباركة "الله"، لينعم اهلنا في القطاع الذي يعيش تحت حكمها بالعدالة والتنمية، ولم تلتحم بالشعب المقهور، لا سيما انها تتباهى بحزب العدالة والتنمية كنبراس في العمل، و اردوغان كقدوة.
ان ما ورد من تهان وتبريكات من قبل قادة حماس يستدعي العديد من الأسئلة من واجب حماس ان تجيب عليها، وعديد من الحقائق التي من المهم الاشارة اليها ليتضح ان التباهي بشخص اردوغان لم يتبعه تقليد في الاداء، والتصفيق لمنهج العدالة والتنمية لم يليه تطبيق لافكاره، وهذا ما اوجب تبيان حجم الهوة في الممارسة على الارض، بين حزب زرع فحصد فوزا، وبين حركة ك" صلعة تتباهى بشعر اختها، حيث انه وفقا لآخر تقرير صادر عن البنك الدولي، حتى ايار الماضي، فان معدل البطالة في قطاع غزة قد وصل إلى ما نسبته 60%، وهي النسبة الاعلى في العالم، واشار التقرير أن ناتج النمو المحلي الإجمالي لقطاع غزة كان يمكن أن يكون أعلى بنحو أربع مرات من ما هو عليه لولا الانقلاب الذي حدث في صيف 2007، اما فيما يتعلق بالخدمات الاساسية التي يتلقاها اهل قطاع غزة فهي سيئة للغاية وفق تقرير البنك الدولي، الذي يوضح ان 80% من سكان القطاع يعيشون على شكل من أشكال الإعانة الاجتماعية ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر، فيما ثلث أطفال غزة اضطرابات ما بعد الصدمة حتى قبل العملية العسكرية في عام 2014 وأكثر من ذلك في الوقت الحالي، وفقا للتقرير الدولي، فيما وصل عدد المنازل المدمرة في الاحصاء الاخيرالى 100 الف منزل يسكنها حوالي 600 الف مواطن، تشردوا بسبب الحروب التي قالت عنها حماس بانها ستفضي الى تحرير القطاع وستفتح المعابر وتحول القطاع الى سنغافورة العرب، أما الشهداء والضحايا فعددهم لا يتوقف، ولا اعتبار لهم في نظر من يعتبرهم وقودا لبقاء ناره.
وان كان اردوغان استطاع ان يتباهى بانه رفع متوسط دخل الفرد ليفوق العشرة الاف دولار، فتشير التقارير الدولية ان متوسط الدخل السنوي للفلسطيني في قطاع غزة هو 360 دولار، اي بواقع دولار واحد يوميا.
اما فيما يتعلق بالاعمار والتنمية التي احدثتها سطة حماس في القطاع فمن المهم الاشارة انه في الوقت الذي تعمل به 70 % من المدارس بنظام الفترتين في اليوم، ويجتمع 38 طالب في الفصل الواحد، فقد وصل عدد المصليات التي تم بناؤها في المدارس حتى الآن 117 مصلى، مبررين ذلك الى أن المصلى داخل المدرسة من شأنه تخريج الدعاة والداعيات التربويين، إلى جانب أثره الكبير في تعليم الطلبة روح العمل الجماعي، والمشاركة في النشاط العام، والتوعية الإسلامية، وربطهم بكتاب ربِّهم.
وللتذكير فقط حتى لا يتم تصوير الجمهورية التركية بانها دولة الخلافة القادمة، وبأنها راس الحربة في الممانعه، فانه من الأهمية الإشارة لما أوردته صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية، من تفاؤل لمسؤولين اسرائيليين، بأن النصر العظيم لأردوغان وحزبه يزيد من احتمالات إنهاء أزمة الدبلوماسية مع إسرائيل، لا سيما في ظل الوضع الاستراتيجي الراهن لتركيا، ومن المهم ايضا التذكير بان أردوغان لم يبرز خلال دعايته الانتخابية خلافه مع إسرائيل، إنما ركز على التهديدات الكبرى الماثلة أمام تركيا وهي الأكراد وداعش.