أين حركة "فتح" من هبّة القدس ؟ بكر أبوبكر
التساؤلات الكبيرة تحوم حول دور التنظيمات الفلسطينية في غضبة القدس أو هبتها، أو "انتفاضة القدس" كما تسابقت بعض الفصائل وتسارعت لتطلق عليها هذه الصفة أي صفة "انتفاضة"، وكأن الصفة تُغني عن الفعل شيئا، ومع هذه التساؤلات عن دور التنظيمات السياسية الفلسطينية يبرز العجب و الاستغراب بل والاستهجان لحدود الدور الذي تحصّن التيار العبثي السلطاني في كل تنظيم وراءه ووقف عنده دون أن يقدم خطوة واحدة حقيقية للملعب الآخر، وكأننا نريد وساطات جديدة لنلعب معا في ملعب وطني متفق عليه فلا نخسر النقاط كما حصل بين منتخبي فلسطين والسعودية مؤخرا.
عند الحديث عن التنظيمات السياسية الفلسطينية يبرز للذهن المكونات الثلاثة أو الأربعة الرئيسة وهي التنظيمات الوطنية والتنظيمات اليسارية و التنظيمات الاسلاموية، أو بتفصيل أفضل نحدد حركة فتح وفي المقابل التنظيمات الفلسطينية المنخرطة في اطار المنظمة، و الأخرى غير المنخرطة مثل فصيل "حماس" و"الجهاد" ومن هنا يبدأ النقاش.
أعلنت حركة فتح عن وجودها الميداني في ساحة المواجهة منذ اليوم الأول لانطلاق #غضبة_القدس أي في 02-07-2014 مع اشتعال أيقونة الغضبة المقدسية الاول الفتى محمد أبو خضير من قبل المستوطنين الارهابيين بالهبّة المقدسية العارمة التي شاركت فيها كل شبيبة القدس وعلى رأسها قيادة حركة فتح هناك، وصولا للارتباط بفعاليات لجان الحراسة ومقاومة المستوطنين التي شكلتها أقاليم حركة فتح في كل الضفة إثر كثير الاعتداءات على قرى وبلدات فلسطين (خاصة في نابلس) من قبل عصابات المستوطنين الارهابيين في قُصرة- نابلس ودوما تحديدا، وفي المعصرة في بيت لحم و في أطراف رام الله، و ايضا في يطا والخليل.
وجاء الاعتداء على آل الدوابشة في 30-08-2015 ليشكل محطة أساسية في إلهاب الغضبة أو الهبة كما هو الحال مع قتل إسراء الهشلمون بالخليل في شهر 9/2015 وكلها أحداث مقدمات ومشعلات واضحة كانت مع استشهاد القائد زياد ابو عين في أواخر العام 2014 وكذلك الأمر مع بطولات التصدي الشعبي بيدين عاريتين للمستوطنين، كلها مشعلات شكّلت خميرة نضالية في قيادات حركة فتح الميدانية بلا شك و التي تعانقت بوضوح مع مسيرة المقاومة الشعبية الممتدة (2005-2015) لتبرز الشكل الجديد المتنامي للغضبة.
قد لا ينظر الكثيرون للأرض و تواصل النضال فيها الذي لم يتوقف -رغم مطالباتنا الكثيرة بتصعيده وشموليته- وعليه يحرفون انظارهم فقط ليروا الدم يتقاطر سواء بأيدينا أو أيدي الاسرائيليين فيهللّون للمجد والنصر، ويهملون انجازات المقاومة الشعبية المتواصلة التي عدّلت من شكل الجدار العنصري وأعادت مئات الدونمات من أراضينا، ولحملات المقاطعة الناجحة ولانجازات عزل الاسرائيلي، ما يمثل انجازات وانتصاراتنا الحقيقية.
يقع التركيز الاعلامي والمزاجي الشعبي على البطولات الفردية- على أهميتها – مع إهمال الإنجازات بل و الانتصارات الشعبية على الأرض وكأننا نُساق كالخراف وِفق إرادة الاعلام المشبوه والمحرض والمحرّف لنظن أننا أصبحنا أبطال (سوبرمان) -ونحن عراة من أي سلاح- ولسنا سوى الضحايا للعدوان الصهيوني في حقيقة الأمر.
إن مسيرة حركة فتح التي يقف منها العديد من العميان والمخرّصين وقفة عداء لا لشيء، وإنما لأنها تفاجئهم دوما بالنهوض فلا يستطيعون أن يصِموها بالاستسلام أو الذلة أو الخيانة مهما لاكت افواههم مثل هذه المصطلحات الجرثومية.
مسيرة حركة فتح برجالها على الأرض وامتلاكها الميدان تفاجئ ركاب الفضائيات وتجارها الذين لا يجدون إلا مثل هذا الحصان الهزيل ليركبوه ويرجمون حركة فتح من على صهوته تحت اتهامات الكفر أو الخيانة أو "التخابر" أو غيرها الكثير من قاموس الجهل و الشتيمة والبذاءة التي لا تدلل الا على مقدار الحقد أو الغضب أوالحسد أو الغيظ الذي لا يمت للوطنية او الإسلام أو للوعي السياسي بصلة.
إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح في غضبة القدس هذه وبانطلاقتها منذ عام ونصف تقريبا، وهي تراكم سياسيا وإعلاميا وميدانيا وقانونيا، ولا يمكن إلا للأعمى أعمى البصر والبصيرة، أو قصير النظر أو الحاقد الأبدي أن يُنكر الانجازات الميدانية أو السياسية فلا يجد أمامه الا أن يكرر مقولات جاهزة اكتسبت شعبيتها عبر التشويه والتكرار والكذب من مثل: حل السلطة القمعية، و"سلطة اوسلو" غمزا لها، ومثل التنسيق الامني أو كما سماه بعض الأشقياء "التخابر" في غمز للعمالة المباشرة.
ان أسلوب الطعن والاستخفاف والاتهام يأتي لضعف في ذات الأعمى أو لانحسار خياراته، و سوء تقديره لقوة التعبئة الوطنية في الفلسطيني عامة، وفي حركة فتح و التي تضرب دوما في صميم أوهامهم ما انزعجوا كثيرا لرؤيته من أبطال الفتح بالميدان في غضبة أو "هبة القدس الغاضبة" كما أسماها الرئيس ابو مازن التي صرحت بوجودهم الفاعل منذ اليوم الأول ومنذ اشتدادها مساحة أي منذ 1 -10-2015.
ان قيادات حركة فتح الميدانية بلا مواربة هي في المقدمة ما لحقها به من قيادات حركة فتح السياسية طواعية أو انسياقا، فلا تلعبوا هذه اللعبة فالجمهور الفلسطيني والعربي وأبناء الحركة ليسوا سذجا أبدا.