ياسر عرفات.. رجل بحجم وطن - حسن سليم
لم يكن الخالد ياسر عرفات في حياته شخصا عاديا، فلطالما اشغل العالم بحله وترحاله، حتى استطاع أن تطأ قدمه تراب وطنه، ويكون بين شعبه، الذي أصبح مسكونا فيه.
اليوم ومضى على رحيل الخالد ياسر عرفات عقد وسنة، لم ينقطع الانشغال، والسؤال عن كيف رحل، ما زال حاضرا، وما زالت الإجابة منقوصة، بأنه مات مسموما، دون تحديد الفاعل، وان كان معروفا بأنه احد أدوات الاحتلال، أو من القلقين من بقائه، لكن النتيجة جاءت على غير ما توقعوا، بأن انقلب السحر على الساحر، فبقي ياسر عرفات، لأنه "نسي أن يموت".
وفي ذكرى الرحيل في الحادي عشر من تشرين الثاني، يستدعي شعبنا الأمل أن تشكل الذكرى فرصه لتشريع بوابة الوحدة الداخلية، ومناسبة للاستذكار كيف خرج طائر الفينيق من تحت الرماد، وكسر حصاره الذي فرضه الاحتلال، بعد أن لم يترك سبيلا إلا سلكه للتخلص منه، وظنه انها ستحقق ما أراد، إذا ما نجح في تغييبه، لكنه وجد شعبا رغم كل جراحه ثابتا على مواقفه، لا يتزحزح عن حقوقه المشروعة، ومستمرا في كفاحه، مصمما على الاستقلال.
ومع حلول ذكرى هذا العام، وشعبنا يعيش هبة شعبية مشرفة، والواجب أن يكون إحياؤها كما يليق برجل بحجم وطن، تمنع سلطة حماس أهلنا في قطاع غزة إحياء الذكرى، وتشترط أن تكون في صالة مغلقة، قد تتسع لمئات، وهي تعلم أنها تتحدث عن ياسر عرفات، الرجل الذي لا تحصره الأماكن، ولا تحصر ذكراه الجدران المغلقة، التي لم يقبلها في حياته، فكيف يقبلها بعد أن دفع حياته ثمنا لكسرها.
تخطئ حماس مرة أخرى، بل وتسيء لنفسها وللكل الوطني، بمنعها إحياء ذكرى استشهاد رمز وطني كبير، وزعيم عرف العالم قضيتنا من خلال كوفيته، وما زال يتغنى بتاريخ نضاله من أجل تحرر واستقلال شعبه، وتسيء لرمز أممي جعل من صور وأسماء شهداء شعبه ثوابتا لا تغيب عن خطابه السياسي، حتى حفظ العالم عن ظهر قلب أسماء الشهداء فارس عودة ومحمد الدرة، وهو القائد الذي حافظ على التزامه الوطني حتى مع خصومه السياسيين، لأنه كان يؤمن دائما أن الاختلاف فاكهة السياسة، لكن الوطن يجب أن يكون جامعا، لا اختلاف عليه.
نعم تخطئ حماس بهذا الموقف المعيب، وكان من الأولى بها وهي المسيطرة على قطاع غزة، أن تبادر بالتحضير لإحياء ذكرى استشهاد الخالد ياسر عرفات كونه زعيم الكل الفلسطيني، وليس باعتباره رئيسا لحركة فتح، فهو أكبر من قيادة فصيل، ولم يتصرف يوما كذلك. بل وكان أولى بسلطة حماس التي لم تخبرنا حتى اليوم من فجر المنصة في ساحة الكتيبة العام الماضي، أن تفاجئنا جميعا بقبولها بالمصالحة، وباستعادة وحدة الصف الوطني، إكراما لدم ياسر عرفات ولدماء شهداء شعبنا لا سيما في هذه الهبة المجيدة، وطي صفحة الماضي السوداء، والبدء بعهد جديد بوصلته لا تؤشر إلا للقدس.
وكان أولى بحماس في هذه المناسبة أن تقول بملء الفم، وبشجاعة كبيرة أنهم بشر، أخطأوا، وخير الخطائين التوابون، وعفى الله عما سلف، للبدء بتضميد الجراح، والعودة لصندوق الانتخابات ليقرر شعبنا من يحكمه، ولتكون بداية للاعتماد على النفس، بعد أن تخلى عنا من ظننا أنهم أخوة لنا، وتركونا لقمة سائغة لاحتلال أخذ القرار علانية بقتل الكل الفلسطيني.
في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الخالد ياسر عرفات، كنا نتوقع خطوة للأمام من قبل سلطة حماس، بأن ترسل رسالة لروح الخالد، لتخبره بأنهم على عهده، وعهد الشهداء، وبأنهم عادوا لحضن الشرعية، وسيكملون مع اخوته مشوار التحرر من بعده، ليُرفع علم فلسطين على أسوار القدس، ومآذن القدس، وكنائس القدس، كما أحب وتمنى، وتخبره بأن فارس عودة لم يمت، بل كبر في وعي كل الأطفال الفلسطينيين، وتجدد، كما تجددت روح الياسر في شعبه.