تفجيرات باريس صناعة أميركية.. من الألف الى الياء - حسن سليم
لا يخفى على أحد أن تأسيس تنظيم القاعدة كان بدعم من الولايات المتحدة بهدف محاربة الشيوعيين في افغانستان لمواجهة التوسع والنفوذ السوفييتي، وقد عملت الولايات المتحدة عن طريق المخابرات الباكستانية على تمويل المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاتلون الاحتلال السوفييتي من خلال برنامج لوكالة المخابرات المركزية سمي بـ "عملية الإعصار"، رافقه دعم وتمويل بمساعدة من المنظمات الإسلامية الدولية وخاصة مكتب خدمات المجاهدين العرب كان يصل الى 600 مليون دولار في السنة، النصيب الاكبر منها تصل من السعوديين الأثرياء المقربين من أسامة بن لادن.
وفي الولايات المتحدة كان مركز اللاجئين "كفاح" يعمل بنشاط في مسجد الفاروق في شارع الأطلسي ببروكلين الذي كان يديره العميل المزوج "علي محمد" الذي أطلق عليه جاك كلونان عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي اسم "المدرب الأول لابن لادن، ويساعده "الشيخ الضرير" عمر عبد الرحمن رائد عملية تجنيد المجاهدين في أفغانستان.
وبعد انسحاب السوفييت، أصبحت أفغانستان فعليًا بلا سلطة حاكمة لمدة سبع سنوات، واصبح التنظيم يتمدد، وخرجت منه كثير من الرؤى والفتاوى ادت بالنتيجة لتغير طال المصالح الاميركية، كان منها تفجير أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية في حزيران 1996 ما أسفر عن مقتل 19 جنديا أميركيا، حتى كان الحدث الكبير في الحادي عشر من ايلول 2001 بتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك، ليحدد هذا الفعل النهاية لتنظيم القاعدة، وينهي وجوده رسميا بعد معارك ضارية طالت وانتهت بمقتل زعيمه اسامه بن لادن عام 2011 بعد طول اختفاء.
ولكن بإنهاء الولايات المتحدة الاميركية لوجود القاعدة كجسم تنظيمي، وما حصدت من شر اعمالها، لم تنته الرغبة الجامحة لديها بإحكام السيطرة على المنطقة العربية ومواردها، وهذا ما افصحت عنه وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون في صيف عام 2014، حين فجرت مفاجأة من العيار الثقيل في كتاب لها أطلقت عليه اسم "خيارات صعبة"، بأن الادارة الاميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام" المعروف باسم تنظيم داعش لتقسيم منطقة الشرق الاوسط، وان الاتفاق تم مع بعض اصدقائها على الاعتراف بـالتنظيم حال اعلانه فوراً يوم الخامس من تموز عام 2013، ولكن وفجأة تحطم کل شيء بسبب التغيرات التي حدثت في مصر، بازاحة الاخوان المسلمين عن الحكم، وكان المنتظر اعادة تقسم المنطقة العربة بالكامل بما تشمله بقة الدول العربة ودول المغرب العربي، وتصبح السطرة بالكامل للولايات المتحدة الاميركية، خاصة على منابع النفط والمنافذ البحرة.
وجاء تأسيس الولايات المتحدة لتنظيم داعش في العراق والشام الذي يعرف اختصاراً بداعش، وهو تنظيم مسلح يتبع الأفكار السلفية الجهادية والوهابية بالإضافة لأفكار ورؤى الخوارج، ويتواجد أفراده وينتشر نفوذه بشكل رئيسي في العراق وسوريا ينبثق من تنظيم القاعدة في العراق الذي ترأسه أبو مصعب الزرقاوي عام 2004، وكان مشاركًا في العمليات العسكرية ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة والحكومات العراقية المتعاقبة في أعقاب غزو العراق عام 2003، واصبح ابتداءً من عام 2014، تحت قيادة زعيمها أبو بكر البغدادي، لتكمل الولايات المتحدة لعبتها التي تحب، باستخدام الغير، واكثر ما تحب استخدامه، هو التيارات الموسومة بالدين، وعلى وجه الخصوص الدين الاسلامي، لتضرب اتباعه من العرب، وتشوه عقيدتهم، فتخلق حالة من الكراهية لهم ولما يعتقدون، وبالمقابل يظهرون من جديد كحماة للانسانية ومناصرين للعدالة ولتوفير الاطمئنان للشعوب المقهورة.
اليوم وبعد ما حقق تنظيم داعش من اهداف لصالح الادارة الاميركية، ومهد الطريق لاستقرارها في المنطقة، اصبح لزاما تمهيد الطريق لخروجه من اللعبة، وبذات السيناريو الذي خرجت به القاعدة، بأن يقوم بفعل مرفوض دوليا، ويستدعي استخدام القوة بدرجاتها القصوى ضده، لتهديده دولا كبرى.
وما من شك ان خروج تنظيم داعش ليوسع نشاطه، لم يكن بقدرات ذاتية، ولم يكن نشاطه وما حقق من توسع في المنطقة ليتم بدون رعاية دولة كبرى، حتى استطاع مؤخرا التمدد لخارج مناطق نفوذه، ففجر الطائرة الروسية في سيناء، تلاه التفجير في باريس، وأودى بحياة المئات.
ان قطع التنظيم الهجين لتلك المسافة الدولية، كان تذكرة الخروج لنهايته، على الاقل مؤقتا، بعد ان استكمل مهمته في الدمار، وما خلق من تقسيم للعراق والشام، وما سهل لوجود الولايات المتحدة على الأرض بعد تفتيت المنطقة، التي لن يكون بمقدورها رفض هذا التواجد لضمان عدم عودة التنظيم الذي أدمى ساكنيها.
اما تفجيرات باريس فالمتوقع ان تشكل رصاصة الايذان باندلاع حرب سيقودها الغرب، وستتربع الولايات المتحدة على رأسها، او الموجهون لها واكثر المتحكمين باهدافها، وكذلك اكثر المستفيدين منها، بعد ما يحدث ترسيم لتقسيم وتقاسم المنطقة، وبالطبع دولة الاحتلال لن تغيب عن المشهد، فهي التي ترى في الحرب المنتظرة فرصة لتعزيز تسللها للمنطقة، وهي التي تصور نفسها كواحدة من ضحايا الارهاب، بالتالي من حقها المشاركة في اجتثاثه، والحقيقة انها من زرعته وغذته، بل هي الوجه الاصدق له.
دولة الاحتلال التي طالما انتظرت الوعود الاميركية للتغيير في خارطة المنطقة، وكثيرا ما هددت الادارة الاميركية بنفاد صبرها، لن تشعر بعد ذلك بالغربة، لانسلاخ الهوية العربية عن المنطقة، بعد ان يتم استبدالها بيافطة الشرق الاوسط الجديد الذي لن يشترط العروبة لعضوية ناديه، بل يكفي التوافق على سياسة ادارة المنطقة، والاشتراك في تحصينها ضد "الارهاب"، وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاتفاق على كيفية التصرف بمواردها.
بالمناسبة، وللتذكير سنستمع لاحقا لتحليلات كثيرة، وسنشاهد ادلة "مصنوعة" تفيد أن من نفذ الاعمال الارهابية هم عرب او من اصول عربية- فالعرب متهمون دائما حتى تثبت براءتهم- فذلك متوقع لأن المطلوب هو التوجه للمنطقة العربية لإعادة تشكيلها، اما فيما يخص فلسطين، فحدث ولا حرج من محاولات ستكون غير مسبوقة لتدمير قضيتها وحقوق شعبها المشروعة، وبعنف سيتجاوز ربما كل ما تبقى من معايير إنسانية.