الموقف الأوروبي ليس جديداً، المهم البناء عليه - حسن سليم
لم تعد دولة الاحتلال الإسرائيلي قادرة على إخفاء وجهها الحقيقي، او النفي بأن سلوكها الإجرامي تجاه شعبنا الأعزل، هو صورة لا تختلف بأي تفصيل عن سلوك داعش وأخواتها الإرهابية اللواتي يتمددن في العالم، وتعيث إجراما ضد المدنيين. سلوك دولة الاحتلال الداعشي، والذي تم التحذير منه على لسان الرئيس أبو مازن في خطابه في نيويورك أواخر أيلول الماضي، وفي عديد المناسبات، وما اخبر به العالم من إمكانية فتح الباب لمواجهة شاملة، جراء تصعيد دولة الاحتلال على الأرض، وما تخلق من حالة يأس وصل اليها الشباب الفلسطيني، جاء تأكيده بلغة أخرى مع تطابق في المضمون على لسان وزيرة الخارجية السويدية مارجوت وولستروم بأن الفلسطينيين لا يرون أدنى مستقبل لهم، بل يتعين عليهم إما أن يقبلوا وضعا يائسا أو يلجأوا إلى العنف. وبالطبع فان نثر الإرهاب في مختلف العواصم، وانتشار ثقافته، يعتبر متوقعا لما تم زرعه من بذور الشر التي زرعتها قوى الظلم، ومنها إسرائيل، ولما تقدمه من رعاية من تحت الطاولة لحركات ارهابية تعتقد انها صالحة لاستخدامها للتغير والتقسيم المنشود لها، دون معرفة أن النار عندما تنتشر لن تسأل صاحبها قبل أن تحرقه، ولن تكون النار مصيريا حصريا يكتوي بها الفلسطينيون. تصريحات رئيسة الدبلوماسية السويدية، وموقف دولي بدأ يتبلور، ويكبر ككرة الثلج، بالطبع لن يعجب دولة الاحتلال، التي ستستخدم فزاعة "معاداة السامية"، والعدائية لـ "واحة الديمقراطية"، لتواجهه، وهذا ما حدث فعلا بتصريح للمتحدث باسم وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيمانويل نحشون بوصفه الموقف السويدي بالمنحاز ضد إسرائيل وبالعدائي، لانه اشار صراحة إلى ارتباط بين هجمات الإرهاب في باريس والوضع المعقد بين إسرائيل والفلسطينيين. وبموازاة الموقف السويدي كان الموقف الاسباني، بإصدار المحكمة الوطنية الاسبانية مذكرة لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وستة من الوزراء السابقين والمسؤولين في حكومته في حال دخولهم الأراضي الاسبانية، وذلك على خلفية قضية الهجوم على "أسطول الحرية" في العام 2010، الأمر الذي وصفه إيمانويل ناخشون بأنه قرار استفزازي، ويجب إلغاؤه. رد ناخشون هو لغة اسرائيل ذاتها، لا تتغير في السياسة، اما العنجهية، والتعامل مع العالم ان وظيفته مجتمعا، تنحصر في التصفيق لها على ما تقوم به من عدوان، باعتباره حقا للدفاع عن النفس، او تصديقها عندما تذرف دموع التماسيح كما فعل رئيس وزرائها نتنياهو بعد تفجيرات باريس، وتعامل كضحية كضحايا باريس، التي تعلم يقينا انه ليس اكثر من مهرج. معلوم ان أوروبا هي منذ أنشأت دولة الاحتلال في القرن التاسع عشر، وكانت المصدر الرئيس للمهاجرين اليهود لفلسطين، لكن الواضح اليوم، ان تحولا قد حدث في الموقف الأوروبي تجاه دولة الاحتلال، بعد ان اتضح يقينا بأن دولة الاحتلال غير صادقة في سعيها للسلام، وغير جادة للوصول الى اتفاق ينهي الصراع مع الفلسطينيين، بل تتفنن بالعبث بأمن المنطقة، وتوتيرها. إن حملة الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين من قبل دول الاتحاد الأوروبي، وعدم الالتفات لدعوات دولة الاحتلال وجهودها المحمومة بالتحريض ضد الفلسطينيين والادعاء بإرهابهم لها، وكذلك اتساع حملة المقاطعه لمنتجات المغتصبات في الضفة الغربية، التي تم وسمها لتمييزها، والتي أصبحت تشكل وصمة عار في جبين النظام السياسي الإسرائيلي، لما تشكله من موقف تجاه دولة الاحتلال من جهة، هو اعتراف بعدم مشروعية المغتصبات في الأرض الفلسطينية، واعتراف صريح بحدود الرابع من حزيران عام 67 لدولة فلسطين، وهو استمرار لموقف الاتحاد الاوروبي المساند للقضية الفلسطينية، لكن هذه المرة اخذ موقفا متقدما عن الدعوات وبيانات الموقف، بالولوج الى خطوات عملية، ووضوحا اكثر تجاه سلوك دولة الاحتلال. وبمراجعة سريعة لمواقف دول الاتحاد الاوربي يتبين ان موقفها بالدعوة لانسحاب دول الاحتلال من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية، قد عبرت عنه مبكرا، في بيان عُرف بـ "بيان نوفمبر" عام 76، وتلاه موقف في العام 1980 أعلنت من خلاله المجموعة الأوروبية في مدينة البندقية بإيطاليا تميز بلغته الصريحة وعباراته الواضحة بالاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، ومطالبة دولة الاحتلال بالتوقف عن بناء المستوطنات، واعتبارها غير شرعية، واصفة اياها بالعقبة أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وبالشراكة مع الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات خرجت دول الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن بدء مشروع التسوية لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، عبر التفاوض لتسوية القضايا العالقة مثل القدس والمستوطنات واللاجئين والمياه والحدود، فكان مؤتمر مدريد عام 1991، والذي تلاه تحذيرات كثيرة من التراجع عن العملية السلمية، وقالت عنها في بيان فلورنسا في حزيران 1996: إنها يجب ان تكون محصلتها قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وخلصت باجتهاد من خلال عضويتها في اللجنة الرباعية بأن تبلور موقفا وتحدد رؤية للدولة الفلسطينية. مواقف دول الاتحاد الاوروبي تجاه قضيتنا الفلسطينية، وبسبب ما تمارسه دولة الاحتلال على الارض من قتل وتهويد واستيطان، كل ذلك كان حافزا لتطوير مواقفها، وان كانت بنسب مختلفة بين دول الاتحاد، الا انها مجتمعة، ادركت انه لم يعد بامكانها الاستمرار بالاكتفاء بالدعاء، وهي تشاهد دولة الاحتلال تمارس الكذب نهارا جهارا، وتدعي بأنها ضحية لظلم دولي، ومن واجبه التكفير عن ظلمه من خلال الاستمرار بدعمها، في وقت تمتهن فيه الظلم وتمارس الجريمة بحق شعب اعزل، بلا اي اكتراث بالموقف الدولي وقانونه او بمواثيقه، مما استدعى رفع اليد عنها بل ومواجهتها بحقيقة افعالها، فكانت مقاطعة منتجات مغتصباتها واحدة من تلك الخطوات التي تمثل اكبر من مجرد مقاطعة اقتصادية بعد وسمها وتمييزها، بل هي معاقبة لدولة الاحتلال على افعالها، وما رافقها من حملة الاعترافات بدولة فلسطين، ورفع مستوى تمثيلها لديها. ومؤخرا كانت المبادرة الفرنسية لمشروع قرار في مجلس الأمن يتصل بالقضية الفلسطينية، والذي يتضمن مبادئ لحل الصراع، مثل تثبيت حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 مع تبادل أراض، وجعل القدس عاصمة للدولتين، وتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال وعقد مؤتمر دولي للسلام، وايا كانت المواقف تجاهها وحيال ارتقائها للطموح الفلسطيني، الا انها تشكل بكل الاحوال تقدما، من المهم البناء عليه وتطويره، فيما يخص موقف دول الاتحاد الاوروبي، وصولا الى قناعة دولية كاملة بانه قد آن لهذا الاحتلال الداعشي البغيض ان يزول، وان ينعم الشعب الفلسطيني كبقية الشعوب بالحرية والاستقلال. ولعل من الاهمية الاشارة إلى ان انتقال موقف الاتحاد الاوروبي لمساحة الفعل، بدلا من الاكتفاء بالتشجيع من مدرجات الجمهور، لم يأت من فراغ، بل كان بفضل الخطاب السياسي الفلسطيني العاقل، ولاعتماد شكل كفاحي مقبول دوليا، من جهة، ولثبوت بيقين لا يقبل التشكيك ان ما تقوم به دولة الاحتلال اكبر من من مجرد سلوك يتسبب بوقوع ضحايا، بل هي جريمة وفق منظور القانون، جلها تصنف جرائم حرب، تستوجب المثول امام القضاء الدولي