القادم والثلث الحاسم - حسن سليم
تناولت وسائل الإعلام إحدى النتائج لاستطلاع رأي نشره مركز العالم العربي للبحوث والتنمية، يتعلق بمدى تلبية الجمهور لدعوات الفصائل للمشاركة في مظاهرات، وكانت النتيجة أن ما يقارب الثلثين لن يلبوا الدعوة، ولم نسمع حينها من الفصائل أي حراك يُذكر تجاه الشارع، للتصالح معه، او التفاهم على قادم الأيام كيف ستكون العلاقة، وكيف سيتم ردم الفجوة.
كان الظن أن الفصائل تنتظر لاستكشاف الصورة بشكل أوضح بعد مرور أكثر من خمسين يوما على اندلاع الهبة الجماهيرية، كون الهبة كانت مفاجئة لها، لترتيب أوضاعها مع المرحلة الجديدة.
اليوم والمركز ينشر نتائج الاستطلاع كاملة، كانت المفاجأة أكبر، بغياب الفصائل عن الحضور والنقاش لنتائج مفزعة، تتعلق بمستقبلهم السياسي، وكانت تستحق وجودهم، ولاهمية أن تكون أساسا لنقاش طويل، ومن ثم اخذ العبر، لعل وعسى أن تكون نافعة، لاستعادة الثقة التي عبر المستطلعة آراؤهم عن غيابها.
كثيرة هي المؤشرات التي تضمنتها نتائج الاستطلاع، وتستحق الدراسة بعناية، لتحسس الأسباب المنتجة لها، والتعامل معها ببصيرة واعية، وعقل ناضج، لا أن تأخذهم العزة بالإثم، وهم يطالعونها.
" الثلث " المستقل أو غير المُؤطر تنظيميا، واضح انه لم يعد مجرد تخمين من قبل الباحثين، حيث توضح كل المؤشرات، بل وتؤكد أن هذا " الثلث " سيكون حاسما أكثر من أي فصيل سياسي موجود.
نسبة " الثلث" والتي تزيد أحيانا كانت وفق الاستطلاع لمن يعارضون انتفاضة ثالثة، أو غير جاهزين لها، ومن يعتقدون أنها ستؤخر حل الدولتين، ولغير المنتمين أو المنظمين في فصائل وأحزاب، وأكثر من "الثلث" أكدوا أنهم لن يصوتوا لأي من الفصائل المدرجة أسماؤها، ولا يؤيدون أيّا من حكومة د. الحمد الله، أو سلطة حماس في غزة.
وحتى لا تطمئن الأحزاب بان ذلك " الثلث " لن يؤثر على النتائج لاعتقادها أنهم خارج الفعل السياسي، جاءت النتائج لتقول إن أكثر من ثمانين بالمائة يدعمون إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ما يعني انهم قادمون زحفا لحسم النتيجة، وقد يفعلها " الثلث " ويقدم على دعم كتلة جديدة ليس لإيمانه ببرنامجها، بل لمجرد رغبته بمعاقبة الأحزاب القائمة على غيابها، أو قصورها، الأمر الذي يستدعي ان تقوم الفصائل والأحزاب بمراجعة سريعة لبرامجها سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، ومدى صوابية علاقتها بالجمهور، وإلا سيكون القادم عقاباً غير محسوب، يدفع شعبنا ثمنه، وليس فقط تلك الأحزاب، كما حدث في انتخابات 2006.
وللسلطة الوطنية و للنظام السياسي حمل الاستطلاع رسائل مهمة تتعلق بالأولويات التي يتطلع الجمهور أن تكون محط اهتمامه وتلقى رعايته، وكان لافتا أن لا تكون الوحدة الوطنية في المقعد الاول، ما يفتح المجال للتنبؤ ان كان بسبب احباط او عدم ثقة، او بسبب استسلام لبقاء حالة الانقسام.
وكان لافتا إن أكثر من نصف الجمهور المستطلعة آراؤه يؤيد الكفاح السياسي والسلمي والتفاوضي.
أما لحكومة د. الحمد الله الممنوعة من العمل في قطاع غزة، ولم يسمح لها ممارسة دورها كحكومة وفاق وطني، فان شعبيتها تزيد عن شعبية سلطة حكم حماس بأكثر من عشر نقاط، ما يدلل على رفض الغزيين لنهج حماس وإدارتها الحالية لقطاع غزة، وعدم نجاحها في تطويعهم، ما يشجع على أن تقوم حكومة د. الحمد الله على استمرار سعيها للعمل في القطاع رغم كل المعيقات.
أما النتائج المتعلقة بالنهج السياسي للرئيس ابو مازن، فقد اظهر الاستطلاع تفوقه على منهج حماس بتسع نقاط، وتفوق اكبر لنهج الرئيس في قطاع غزة يصل الى ست عشرة نقطة، وان كانت النتائج تمثل تراجعا لنسبة التأييد عما كانت عليه، الا ان النتائج تشير الى ان ما عمله الرئيس على مدار السنوات العشر في تعزيزه، من اعتماد الكفاح السلمي والسياسي يلقى قبولاً يزيد عن النصف، فيما الغريب أن الحديث عن وقف العمل باتفاق أوسلو كما ورد على الرئيس في خطابه الأخير في الأمم المتحدة في الثلاثين من أيلول الماضي، فقد عارض الفكرة بوقف العمل بالاتفاق ما يقارب الثلاثين بالمائة، وهذا ما يستدعي القراءة بتمعن لتوجهات الشارع، وعلى ماذا يبني مواقفه وتوجهاته السياسية.
إن ما أورده الاستطلاع من نتائج، وما حمل من رسائل، يستدعي الوقوف عنده مطولا، تجنباً للقادم في الانتخابات، ولتفوق " الثلث "على الكل، وحينها لن ينفع الندم.