هل وصلتنا رسائل كيري ؟ حسن سليم
معلوم أن دولة الاحتلال لا تحتاج لإذن مسبق لما ترتكبه من جرائم، وتعودت كما نحن على مواقف دولية بحدها الأقصى لا تخرج عن إدانة خجولة لجرائمها، مع التعبير عن قلق دولي، أو دعوة للأطراف بالتهدئة وضبط النفس. ولكن ما نطق به جون كيري في زيارته الأخيرة من تفهم وثناء على ما تقوم به دولة الاحتلال، بل ودعوتها للاستمرار في محاربة "الإرهاب" في توصيفه لردة فعل الشباب الفلسطيني المناهض للاحتلال، إنما يشكل رخصة صريحة وعلنية لفتح شهية حكومة الاحتلال على اقتراف مزيد من الجرائم. وغير بعيد عن رخصة كيري للقتل، كان موقف مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المعروف باسم "ييشع"، الذي اعتبر مجرد فحص ما تسمى "الإدارة المدنية" إمكانية نقل عشرة آلاف دونم في الضفة لسيطرة السلطة الوطنية، بأنه يمثل تنازلا سياسيا للأخيرة، وبمثابة جائزة لما وصفوه بالعنف الفلسطيني، وكان الأولى ضرب السلطة الوطنية وقادتها، وفق رأيهم. إذا هي دعوة لتقويض السلطة، وتوسيع طاولة السفرة لجيش الاحتلال ولغلاة المستوطنين، لحشر الفلسطينيين وإجبارهم للاختيار بين القبول ببقايا الجزرة، أو تحمل ضربات العصا، دون الاتعاظ بان الجسد الفلسطيني رغم وجعه، مصمم على عدم الانكسار، بل على كسر العصا، هذه المرة، وهذا ما تفعله الهبة الشعبية الرافضة لاستمرار الاحتلال الى ما شاء الله، ورفض البقاء في حالة تفاوض دون بصيص أمل بالتوصل الى موعد لرحيل الاحتلال عن أرضنا، وهذا ما يتطلب استمرارها. وان كان الموقف الأميركي مُتوقعا في ظل اقتراب موعد انتخاباتهم، واستمراراً لانحيازهم لدولة الاحتلال، وفي ظل الانشغال العربي بالقضايا الداخلية، فان الحاجة ملحة لفتح ورشة فلسطينية لإصلاح الموقف الداخلي، لتعزيز قدرته على مواجهة هذا الصلف الإسرائيلي، وإدارة الظهر الأميركية، والمطلوب استعادة المبادرة لفعل فلسطيني سياسي منظم، متمسكاً بالحقوق الشرعية، وبعدالة القضية، ومتسلحاً بالخطاب الواعي المدرك للخارطة الدولية التي تتشكل، وهذا ما يحتاج ليكون واقعا، التوافق الداخلي بشكل عاجل، والتنازل عن مسببات الشرخ في الموقف الوطني، وهذا ما سيؤهلنا للضرب بقوة على الطاولة، والتبيان بأن صراعنا ونضالنا لم يكن من اجل تحقيق سلام اقتصادي الذي سبق وحاول بلير تمريره، ولا من اجل تحصيل رزمة تسهيلات إسرائيلية، أو تسول مزيد من الخبز الأميركي، فتلك قراءة خاطئة لما يتطلع له شعبنا، فرغم ضيق الحال، فان الخبز نطعمه لعابر الطريق، وللعصافير الطائرة، والمطلوب هو تسهيل الطريق لتكون خالية من لصوص الأرض والحقوق، حتى نصل لباب الدولة. وبعد أن غادر كيري، والغالب انه لن يعود، وبارك للاحتلال جرائمه، واصبغها بتبرير محاربة الإرهاب، وأنجز ما أراد بالصلاة في المعبد الإسرائيلي، فان المفروض أن تكون رسائله قد وصلتنا بشكل واضح، وجلي لا يقبل التأويل، وان علينا الاستعداد لما هو قادم من مواجهة، ومطلوب اليقظة الدائمة، تجاه مشاريع تسوية قد تلتف على حقوقنا، وهذا ما يستدعي ألا يغادر وعينا، بان الصراع مع الاحتلال باقٍ، ما بقي جاثما على أرضنا، وان بوصلة كفاحنا الوطني يجب أن تبقى موجهة نحوه، دون أن تحيد.