الإسرائيلي و"غزوة باريس"! بكر أبوبكر
بلا شك أن الاسرائيلي يحاول دوما ان يستغل أي حدث لمصلحته ويوظفه لسياساته وروايته المضللة، فلا بأس أن يتم تذكير العالم بالاسطوانة المكررة خاصة للصهاينة ولليمين على شاكلة (المحرقة) و(العداء للسامية)، وأن دولة الكيان (دولة يهودية ديمقراطية) تحارب الإرهاب، ولا بأس من المقارنات بين ما يدعونه الإرهاب الفلسطيني وما حصل في أوروبا ليعيد "نتنياهو"–ورفاقه- ويكرر تقديم نفسه كبطل ومحارب ضد الارهاب وضد الشر الممثل في الفلسطيني من جهة, وفي الدولة الاقليمية الراعية له وهي ايران.
إن سياسة نتنياهو المبنية على الحفر في التاريخ واستخدام الأساطير والأكاذيب من جهة، وبالسياسات الميدانية العدوانية والإرهابية، وتلك المرتبطة بتحميل الآخرين المسؤولية بالتهم الجاهزة لديه مما يسميه (العداء للسامية) لا بد أن تقفز للظهور أمام العيان عند كل مفصل فيما يقوله ويفعله او يقولونه عنه، فها هو (سيفر بلو تسكر) في (يديعوت)، و(حاييم شاين ورؤوبين باكو) في صحيفة (اسرائيل اليوم) ينظّرون للرواية الاسرائيلية اليمينية المرتبطة بفكر "نتنياهو" التوراتي المتطرف، وسياساته ف(شاين) يعتبر أنه (لا صلة بين تنامي الارهاب الإسلامي والصراع العربي الاسرائيلي) بمعنى أن احتلال فلسطين ورفض الاسرائيلي قيام دولة فلسطينية ما كان هو عامل التوتير أو سبب الصراع، أو محرض كفاح أو نضال عربي أو اسلامي ضد المحتلين أبدا، وبالتالي يريد أن يجعل من القضية الفلسطينية خلافا داخليا محدودا يتم إدارته بالعصا والجزرة من قبل الحكومة الاسرائيلية! وهو في اطار تنظيره السخيف هذا يؤكد على أن أرض فلسطين العربية التي يسميها (اسرائيل) لا يجب التنازل عنها، حيث يقول بكل قبح وبجاحة (لا يجب التنازل عن متر واحد في "يهودا والسامرة") والمصطلح المكذوب الأخير هو مصطلح توراتي فاسد تاريخيا للضفة الغربية.
أما زميله (باكو) في الصحيفة المقربة من نتنياهو وهي (اسرائيل اليوم) فيقرر أن (معاناة العالم من الإرهاب العالمي نتيجة دعم الفلسطينيين له)! ما يتفق فيه معه (حاييم شاين) في ذات الصحيفة في 21/11/2015 حين يدعي أن الخليل (تحولت الى حصن للأصولية الدينية التي يلف نهجها القاتل العالم كله)! في محاولة فاشلة للمقاربة بين الكفاح الفلسطيني وإرهاب "داعش"، متناسيا إرهاب مستوطنيه وجنوده اليومي في الخليل وكامل فلسطين.
وادعى العميد احتياط "نيتسان نورئيل" أن الفلسطينيين في داخل فلسطين 1948 (تهب رياح "داعش" في صدورهم)؟ مقدرا عددهم بالآلاف، في إشارة للربط واضحة الدلالة والتوقيت، ونظّر (بلو تسكر) ضد ما يسميه (الجناح الفاشي في الاسلام) وكأن فاشية حكومته لا توزع العطاءات والنصائح الإرهابية على كل العالم، ليتقاطع مثل هذا التحريض مع التشدد اليميني الذي يعد (دوف ليشور) من أبرز رجالاته الذي اعتبر "غزوة باريس" عقابا للأوروبيين على (المحرقة).
وهذا الحاخام المتطرف المقيم في مستوطنة (كريات اربع) بالخليل أي "دوف ليئور" يُبرز مع مجموعة كبيرة من الحاخامات الشكل الجديد للهيمنة والعدوانية الاسرائيلية, وهو تحديدا ممن أفتوا بقتل "رابين" وصادق على فتوى الحاخام (اسحاق شابيرا) سيء الصيت بتحليل قتل أطفال العرب، وما زال يقوم بعمله تحت رعاية حكومة "نتنياهو" في مدرسة تأهيل الضباط.
إن استغلال الاسرائيلي للإرهاب الذي أودى بحياة 129 شخصا في باريس يمثل قمة الاستخفاف لعقول الناس، وهو الاستهتار الذي قوبل بالاستنكار الاوروبي وهذا متوقع ولكنه أيضا لقي السخرية من اليسار الاسرائيلي, فعلى سبيل المثال رفضت أسرة صحيفة "هآرتس" الربط بين ما يحصل في فلسطين وبين الإرهاب، إذ اعتبرت أن حوادث الطعن والدهس لها أسباب ثلاثة هي: الاحباط ثم عدم وجود أفق سياسي وثالثا انعدام الأفق الاقتصادي الذي أدى لصعوبة الحياة أمام الفلسطيني، بل أن (سيما كدمون) في صحيفة "يديعوت" قد أوضح بجلاء بالرد على محاولات الربط بين الفلسطيني والإرهاب العالمي بالقول: إن (الفلسطينيين ليسوا بداعش)، وكرر الأمر نفسه كل من الكاتب (عاموس هرئيل) حيث أوجز كلامه بالقول إنه (لا مقارنة– كما يقول اليمين– بين هنا والإرهاب الاسلامي في الغرب) لأن [الارهاب] هنا يقوم به (شعب له أهداف سياسية واضحة وقومية).
(حتى الآن لم تكن لدى "اسرائيل" مشكلة مع وجود "داعش" في الجولان، ومن بين كل النيران التي تسللت من سوريا تجاه "اسرائيل" أثناء الحرب الأهلية الدامية لم تطلق أي رصاصة من قبل مقاتلي "الخلافة الاسلامية") هذا هو الواقع كما نرى مما كتب "أليكس فيشمان" تحت عنوان الأخطبوط الأسود في "يديعوت أحرونوت" حيث التغاضي الاسرائيلي بل الدعم لوجود هذا التنظيم المتطرف، فمن هو الإرهابي ومن هو المتطرف حقا؟
إن الاستغلال والتوظيف لمآسي العالم وكأنها نابعة من الفلسطيني بشكل أو بآخر أو من (الاسلام) الحنيف هو ديدن سياسة حكام الدولة الاسرائيلية اليوم، وهم أنفسهم الذين يتعمدون دوما تذكير العالم (بواجبه) أمام (المحرقة) الفزّاعة الاسرائيلية، دون اعتبار لتحول الضحايا الى جناة كما هو حال الاحتلال الصهيوني لبلادنا اليوم الذي يرتكب محرقة أشد، وعليه فإن من لا ينصاع للرواية الرسمية الاسرائيلية، رواية اليمين الحاكم وبعض اليسار المتهالك المتواطئ يقع تحت مقصلة التهمة المعاقب عليها قانونيا أي ما يسمونه (معاداة السامية) التي أصبحت تعني (مناصرة الإرهاب) أي سياسات حكومة الاسرائيلي بوضوح.