حدود أزمة الطائرة- عمر حلمي الغول
لم يكن فعل إسقاط الطائرة الروسية يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 24 نوفمبر من قبل المضادات التركية، فعلا ساذجا او عفويا او ردة فعل غير محسوبة. المؤكد كان خطوة محسوبة من قبل تركيا وحلفائها جميعا، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي هدفت لإرسال رسالة لروسيا الاتحادية، لاعادة نظر بحجم وطبيعة تدخلها العسكري في سوريا، الذي بدأ في الثلاثين من سبتمبر الماضي؛ وإشعارها، انها تمادت اكثر مما هو مسموح؛ وايضا شاءت تركيا اردوغان، ان تعيد الاعتبار لدورها وحضورها في سوريا، بعدما تراجع كثيرا في الآونة الاخيرة؛ كما أن إسقاط الطائرة بمثابة اختبار عملي لردود الفعل الروسية لتحديد السيناريوهات المقبلة للتعامل معها؛ والدفع أكثر فأكثر باغراقها (روسيا) في وحول الحرب الدائرة على الارض السورية؛ وإبلاغها بان الحرب في سوريا، ليست ذاتها في القرم او اوكرانيا.
من المؤكد ان القيادة الروسية، وصلتها الرسائل كلها، وادركت دلالاتها جيدا، لا بل قد تكون وصلتها رسائل عميقة الصلة بالتحولات العالمية، لا سيما ان ارتفاع وتيرة الصراع على ملء فراغ مكانة القطب الموازي لأميركا او الحد من التفرد الاميركي، وانعكاس ذلك على تقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي المالي في عالم يقف على رمال متحركة، حيث تطمح روسيا الرأسمالية لاستعادة دور الاتحاد السوفييتي الاشتراكي المنحل، وإشعارها بان الأمور ليست بهذه البساطة.
في ضوء تصلب الموقف التركي الاميركي تجاه إسقاط الطائرة الروسية، وما حملته من رسائل معلنة ومبطنة، ما العمل؟ وكيف ستتصرف روسيا بوتين؟ هل تبلع السكين، وتصمت، خاصة ان اردوغان، رفض الاعتذار لروسيا، لا بل طالبها بذلك، وأيدت إدارة اوباما موقفه؟ وهل لدى بوتين القدرة على شن أكثر من حرب في آن؟ والى أي مدى يستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة في سوريا وتركيا وساحات اخرى قد تدخل وفق السيناريوهات الاميركية لايقاع هزيمة ساحقة بها، تعيد الدب الروسي لحظيرة الطاعة؟ وهل هناك إمكانية لبلورة تحالف روسي صيني إيراني مصري لمواجهة تحالف اميركا؟ وإن لم يتمكن من إقامة حلف دولي قوي، ما هو السيناريو المقبول داخليا وخارجيا؟ وهل لدى سيد الكرملين القدرة على شق الصف الاوروبي الغربي واستقطاب فرنسا والمانيا واسبانيا لجانبه ولو بالمعنى السياسي؟ وإلى اي مدى يمكن لبعض دول اوروبا الغربية التمرد على الموقف الاميركي؟ وفي حال لم يرد على الصفعة التركية، كيف سيكون موقع روسيا امام شعبها وحلفائها والأقطاب الاخرى؟ وأليس من الأفضل امتصاص الضربة التركية مقابل رفع الصوت الاعلامي ضدها، لمواصلة تحقيق هدف العملية العسكرية في سوريا؟ وماذا لو وجهت ضربة أخرى في المدى المنظور؟ هل يستطيع بوتين تمريرها؟ وماذا إذا فَعْلت اميركا اقطاب المعارضة الروسية ضد بوتين وحكومته؟ وما هي حدود روسيا للعب داخل اروقة المؤسسات الاميركية التشريعية والتنفيذية؟ وهل من حيث المبدأ في ظل المشهد القائم اميركيا، يمكن روسيا من العبث في بلاد العم سام؟ ام لدى روسيا خيارات اخرى للعب في الحديقة الخلفية لاميركا مثلا في تركيا واوروبا وإسرائيل، حيث يوجد أكثر من مليون روسي فيها؟
اسئلة متشعبة وكثيرة جدا ذات صلة باسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، تحتاج الى إجابة من صانع القرار الروسي. ومن المفضل، الا يندفع الروس في الاجابة عليها، كما ليس محببا ألا تنتظر طويلا في الرد. اي ان الدب الروسي، عليه حث الخطى لتكريس نفسه لاعبا موازيا للولايات المتحدة، ولكن ليس بالضرورة ان يكون الخيار العسكري، هو السيناريو الوحيد. ويا حبذا لو يستخدم بوتين ومدفيديف أدواتهما في اوروبا وتركيا وإسرائيل وغيرهما من حلفاء واشنطن لرد الرسالة كما يليق بالقطب القديم الجديد.
oalghoul@gmail.com