غزة تنتظر 'رويلا' الصامت.. لتحكي وتحيا
يامن نوباني
التعبير عن حالة الفقدان، والحياة بعد موت عزيز، هو ما يود فيلم 'رويلا' الصامت قوله، ولأن غزة عرفت أكثر من غيرها، رحيل الأعزاء، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية وآلة تدميرها، شنت خلال الأعوام الستة الماضية ثلاثة حروب، أدت لاستشهاد الآلاف، اضافة إلى بعد إنساني عميق يحكي حالة الفقد لدى أي إنسان في العالم، بسبب وفاة شخص مقرب.
ويهدف 'رويلا' بحسب القائمين عليه، إلى إحياء السينما المغيبة عن غزة، التي تشهد حالة ثقافية بدأت تتطور، رغم معيقات كبيرة، وبخاصة حكم 'حماس' المنفرد للقطاع، والحصار الذي يمنع تواصل المثقفين الغزيين مع العالم الخارجي، وحدّه من توفر الإمكانيات أمام الأفكار المبدعة، ما أدى إلى موت كثير من مشاريع النهوض بالمجتمع الغزي.
يقول كاتب فيلم 'رويلا' الأب مجد أبو عامر: جاءت الفكرة من رغبتي بالتعبير عن حال الشخص الذي فقد عزيزا، من أهل وأحبة وأصدقاء، بسبب مرضٍ ما أو حرب، أو ناتج عن أي شكل من أشكال الفقدان، بما تحويه الحالة من تفاصيل فلسفية وروحية، وتعززت الفكرة في رأسي بسبب مجموعة الحروب على غزة، والتي قصف فيها بيتي والبيوت المجاورة، وكان يموت الإنسان في أية لحظة، فأصبح الموت طبيعيا جداً.
وقال أبو عامر إن الفيلم في حال تجهيزه، سيعرض في سينماتك غزة المدمرة والمهجورة، بهدف إعادة إحياء السينما في القطاع، وستشارك مجموعة من الضفة في الفيلم، بتصوير مقاطع فيديو من القدس ورام الله، والتعاون مع الفيلم يحدث بطابع فردي، فهناك مجموعة من عامة الناس، إضافة الى مجموعة من الفنانين والكُتاب والشعراء، منهم نجاة فوزي ومحمود جودة وعلاء أبو عامر، وأهي التجربة الأولى لجميع ممثلي الفيلم في عالم السينما.
وأضاف: الاسم رويلا، وليست القضية هي رويلا، وهو فيلم صامت، ورويلا هو اسم أمي- أو هو الاسم الذي أطلقه أبي عليها عندما أخذت الجنسية الفلسطينية بعد رحلتها من أفغانستان ثم كييف وموسكو وانتهاء بغزة، لتتوفى فيها بعد معاناتها من السرطان. الفيلم يتناول قضية حساسة تمس الروح البشرية والفيلم ذو طابع صامت يعتمد في إنتاجه على الإحساس الحقيقي للممثلين وإيماءاتهم، وكذلك على الموسيقى التي ستقوم أوركسترا كاملة بإعدادها تسلسلاً مع العشرين دقيقة للفيلم، بعد ما استنفذت طرق توفي تمويل لإنتاج الفيلم من المصادر المحلية، لجأت إلى الموقع العالمي لجمع التبرعات 'GOFUNDME' وقمت بإنشاء صفحة قبل عدة أيام وبدأت بالنشر لإيصال الفكرة.
ويتوقع أبو عامر أن الفيلم سيتصدر وينتزع العديد من الجوائز العالمية والعربية، لفكرته الإنسانية ولخلقه مدرسة جديدة في عالم الإنتاج السينمائي.
مخرج 'رويلا' الشاب محمد أبو جحجوح، يقول: كلنا مرتبطون بأناس وأقرباء وأصدقاء، وكلنا معرضون لفقدانهم، في ظل ما يشهده الواقع الفلسطيني من اعتداءات احتلالية، وفي ظل الواقع العربي أيضا، والذي يتعرض للموت والفقد، من هنا جاء 'رويلا' ليحكي عن الموت، وعن الذين تربطهم صلة قرابة وقرب من الذين ماتوا، كيف يفكر أولئك الناس، وكيف تتوقف الذاكرة عند لحظة رحيل الأقرباء، والعوة بالذاكرة للتفاصيل واللحظات الحميمية معهم، إضافة لمشاهد فناجين القهوة في مقاهي غزة تنتظر أيدي العشاق لتمتد إليها، ومشاهد للحُب المحرومة منه المدينة.
يتابع أبو جحجوح: كل انسان في العالم سيتخيل أن الفيلم يتحدث عنه، ويحكي قصته، في وقت غزة فيه بحاجة إلى العالم، تقول للعالم أنا معك، مع كل إنسان يتعرض لفقدان عزيز مهما كانت الأسباب. وجرى تحويل النص الأدبي إلى جملة مشاعر وأحاسيس صامتة، لأن الصمت أفضل وأقوى لغة للتعبير، وهذا مكلف في الإنتاج والتصوير والإخراج، وكل حركة خاطئة تُكلف وقتا وجهدا لإعادتها، وفي التكلفة المادية فإن الفيلم يحتاج إلى نحو 32 ألف دولار، لكننا مصرون وقطعنا وعدا لأنفسنا أن يكون العرض الأول في غزة، بطاقات شبابية تؤمن بالتغيير، ونقل غزة من حالة إلى حالة، عبر سينما حقيقية تعيد النفس إلى غزة التي يُحب شبابها الفرح والحياة.
في غزة تأسست العديد من دور السينما، أولها أنشئت برعاية الحاج رشاد الشوا، حيث جاء بالقماش الأبيض من المجدل، وأجهزة السينما من أوروبا، والأفلام من مصر ليفتتح بها سينما السامر في العام 1944م، وزار هذه السينما كل من الفنانة أسمهان وشقيقها فريد الأطرش، وبعد العام 1953 ازداد عدد دور السينما في القطاع وانتشرت في كل من غزة وخان يونس ورفح؛ منها النصر والجلاء وعامر والنهضة والسلام وصابرين والحرية و غيرها، وكانت أغلب الأفلام تأتي لغزة من مصر، وبعد عام 1967 أصبح يأتي جزءاً منها من إسرائيل.
أول ما أدى إلى إغلاق السينما في غزة هو الإسلام السياسي، الذي حرضّ من خلال المساجد ضد هذه الدور، فحُرق ما حُرق و دمِّر ما دمر. وعقب قيام السلطة الوطنية الفلسطينية تمت إعادة افتتاح سينما النصر، لكنها سرعان ما أحرقت من جماعات الإسلام السياسي.