انحطاط- حافظ البرغوثي
لا استطيع تخيل حجم السواد والظلامية والظلم والحقد والكراهية والهمجية والوحشية والذئبية في داخل ذلك الجندي الذي اوقف الطفلة بنت الرابعة عشرة من عمرها، وهي صابرين سند جنوب بيت لحم، واعتقلها وامرها بالجلوس على الارض بعد ان القى سكينا امامها، وادعى انها حاولت طعن احد الجنود.
عندما تصل الامور بجيش يدعي النظام واحترام قوانين الحرب الى هذه الدرجة من الانحطاط برعاية قادته الذين شاهدوا فيديوهات سابقة عن جرائم ارتكبت، والقيت بعدها السكاكين في القدس والخليل، فاننا قد لا نحزن بل نفرح؛ لأن السوس ينخر ضمائر جنود الاحتلال ويتسلل الى نفوسهم، وهي بداية الانهيار المعنوي لهم، بل وصل الانحطاط الى القضاء الذي يبرئ عمليا قتلة الطفل ابو خضير بدعوى ان العقل المدبر للجريمة لا عقل له ومن شاركه غير بالغين وسيعفى عنهم بعد سنين قليلة. فالانهيار القيمي يجتاح المجتمع الاسرائيلي بممارساته هذه وكان الوضع اقل ضبابية في خضم الانتفاضة الثانية، عندما كنا ننشر عن ممارسات لجنود وضباط على الحواجز ونفاجأ بالشرطة العسكرية الاحتلالية تتصل وتطلب توضيحات وافادات لملاحقة الجنود، اما الآن فالوضع واضح ومصور وموثق ولا مساءلة للقتلة والملفقين.
كان يقال سابقا عدو عاقل خير من صديق جاهل.. الآن صار عندنا عدو جاهل وصديق جاهل معا، عدو ينصب الكمائن للاطفال والطفلات ويلفق التهم.. ويتصرف كما تصرف غيره من المتفرعنين المتجبرين الذين ظنوا انهم سادة الارض وجبابرتها حتى اخذتهم الصيحة والزلزلة، فلا قوي فوق الارض غير الخالق.. وتحاول حكومة اليمين ايهامنها بأنها تجاوزت وجودنا وتنسق مع تركيا وروسيا وتتعاطى مع اغلب الدول العربية وفي جيبها كل اصناف المعارضة السورية داعشها وجاحشها.. ولذلك فهي تطلق العنان لمستوطنيها؛ لكي يقتلوا ويعيثوا فسادا وتسمح لجيشها بأن ينكل ويقتل ويكذب.. وهذه من علامات الانهيار؛ لأن الانحطاط الاخلاقي هو علامة من علامات انهيار الامم والعقاب الرباني.. والله من وراء القصد.