يريدونها منزوعة السلاح في الضفة، وبدون صلاحيات في غزة - حسن سليم
إذًا نتنياهو لا يعارض اقامة دولة فلسطينية، لكنْ ثمة شرط بالاضافة للاعتراف بيهودية الدولة، بأن تكون الدولة الفلسطينية القادمة منزوعة السلاح، وكأنه خجل ان يفصح عن رؤيته الحقيقية، بانه تكون على شاكلة روابط القرى او الادارة المدنية، بحيث تكون الولاية والسيادة على الحدود والمعابر خاضعة لاسرائيل، ناهيكم عن بقاء السيطرة لاسرائيل على الموارد الطبيعية، والمطار والميناء. والسلام كما يقول نتنياهو، الفلسطينيون هم من يرفضونه، وليس اسرائيل، بدليل انه لا زال يعرض على الفلسطينيين دولة، وهم من يرفضون عرضه، ويصرون على وضع العصي في الدواليب، وتأخير تحقيق السلام وانهاء معاناة الفلسطينيين. سلطة حماس في غزة ايضا لا تعارض عمل حكومة التوافق الوطني في قطاع غزة ومستعدة لتسليمها معبر رفح، لكن ثمة مطالب وشروط، أيضا تطالب بتحقيقها، اولها الالتزام بدفع رواتب موظفي حماس، والالتزام باستمرار دفعها مستقبلا، باعتبارهم الموظفين الشرعيين، وغيرهم يتم البحث في امرهم، ان كان لهم مكان، وكذلك عدم التدخل في ادارة الامن في غزة، فهو يخضع لسلطة كتائب القسام، وعدم اجراء اي تغيير في ادارة المؤسسات المدنية، وفيما يتعلق بمعبر رفح، فان الشرط هو الشراكة بالاشراف عليه. إذًا يتبين ان حماس ايضا مع المصالحة والوحدة، ومع تسليم حكومة الوفاق الوطني مسؤولياتها، لكن الرئيس هو من يعطل المصالحة برفضه شروط حماس " البسيطة "، ويتذرع بقضايا يجب المرور عنها مرور الكرام. وبين موافقة اسرائيل على دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وبين موافقة حماس على عمل حكومة الوفاق الوطني في غزة بدون صلاحيات، يتم مطالبة السلطة بالقيام بمهامها وواجباتها. في الضفة والقدس كثيرا ما يتساءل المواطن لماذا يغيب دور السلطة في حماية المواطن، وعن عدم قدرتها على مواجهة الزحف الاستيطاني، وعدم مقدرة اجهزتها الامنية على صد الاقتحامات اليومية لجيش الاحتلال، الذي يطالب السلطة بالمقابل بضبط الامن في المناطق التي تخضع لها. الغريب ان المواطن يعلم، او يريد ان يتناسى ان سلطته تخضع للاحتلال، وان سيادتها منقوصة، وعسكريا ليس قمة مجال للمقارنة في ظل تفوقه العسكري للاخير، واي تفكير بالمواجهة العسكرية يعني تلقائيا انهاء وجودها بقوة السلاح. وغير بعيد عن ذلك الاعتقاد يعلم الاحتلال ايضا ان اي صدام بين الاجهزة الامنية والجمهور يعني سقوطها اخلاقيا في نظر الجمهور، الذي ينتمي ابناء الاجهزة الامنية لها، ووفق العقيدة الامنية الفلسطينية ليس مقبولاً ان يقتل الفلسطيني اخاه ليحمي دولة الاحتلال، وكل ما تستطيع الاجهزة الامنية فعله هو ان تمنع قيام عمل يخلط الاوراق كالعمليات النوعية في الداخل، من خلال احتجاز الراغبين بالتنفيذ، منعا لوقوعها، وهذا ما حمل السلطة الكثير، بل اكثر من قدرتها، ووضعها في دائرة الاتهام، وجعل النظرة لها تقترب من التخوين، ومع ذلك حملتها، انتظارا لانهاء الصراع وانصراف الاحتلال، لكن ذلك لم يحدث. وفي غزة يتذمر المواطن من سوء الوضع الاقتصادي هناك، ومن استمرار اغلاق المعابر، وعدم فتح باب الوظائف الحكومية، وقلة المشاريع الخدماتية للسكان، مطالبا السلطة الوطنية بتلك الواجبات، دون الانتباه الى انه يطالب سلطة غير موجودة على ارضه، ومحرومة حتى من مجرد السؤال عن اي اجراء يتم اتخاذه في القطاع، سواء على صعيد القوانين والتشريعات التي اصدرتها كتلة حماس ( 25 عضوا ) التي نسفت منظومة القوانين التي كانت قائمة، او القرارات الادارية الصادرة عن مكتب زياد الظاظا (الحاكم بأمر الله، بعد التشاور مع هنية) حيث فرض الضرائب، التعيينات، الترقيات، وتوزيع الاراضي، التي جعلت غزة تعيش على فوهة بركان وعلى قرب من الانفجار، وبان لا تكون صالحة للحياة في العام 2020 كما قالت التقارير الدولية، ومع ذلك تتحمل السلطة الوطنية المسؤولية الاخلاقية والمادية باستمرار ضخ النفقات للعلاج والتعليم والاعمار، رغم كل ما يمكن ان يفيد بتثبيت حكم سلطة حماس في غزة، لكن كما يقال " عشان الورد ينسقى العليق "، فتم التضحية بالحكم مقابل الابقاء على كرامة المواطنين وتلبية حاجاتهم، بالقدر الذي تستطيع. ان كانت تريد اسرائيل فعلا امنا لسكانها، واستقرارا لدولتها، فهي تعرف الباب، بالاقرار بالحقوق المشروعة لشعبنا، وبقيام دولة فلسطينية ديمقراطية، على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وحينها ستكون حدودها امنه، ولا داعي لقيامها جيشها باقتحامات للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، لان الفلسطيني لا يقاوم من اجل المقاومة، بل للوصول الى حقوقه، ولا يسعى للموت، بل هو دائم البحث عن الحياة. وان كانت حماس راغبة فعلاً بالمصالحة والوحدة، فالطريق قصيرة وسهلة، بان تعود لصوت المواطن، وتوافق على اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، بعد ان تسمح لحكومة التوافق الوطني بتهيئة الاجواء في غزة وترتيب مؤسساتها، وتطفئ فتيل الازمة، وبذلك يمكن لحركة حماس ان تكون جزءا من سلطة الكل الوطني، وشريكاً سياسياً حقيقياً، لا شريكاً ادارياً كما تسعى ان تكون حالياً، وستكون واهمة إن اعتقدت أن تتحقق لها الشرعية مهما غدت سلطتها من قوة، ما دامت خارج البيت الشرعي، ورافضة للاحتكام لصوت الناخب. وعودا على ذي بدء، فان ما يُعرض على السلطة من خيارات، هو أشبه بمن يُقال له "صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تاكل، وكل واشبع"، فلا قيمة لدولة بدون سلاح، ولا سيادة على حدودها ومعابرها ومواردها وامنها، ولا احترام لحكومة دون بسط لصلاحياتها على مؤسساتها وهيئاتها وموظفيها، ففي كلتا الحالتين يجري الحديث عن وهم يريدون أن نسميه دولة او حكومة، ولكن الحقيقة على الارض غير ذلك.