بين الشهيدين احمد هزاع وزياد ابو عين ضوء ميلاد- عيسى قراقع
في شهر الثلج والبرد والميلاد وتنفس الارض بالحياة، سقط الشهيدين القائدين احمد هزاع وزياد ابو عين، ومرت سنة، ولازالت الارض تجدد ارواحهما في الناس وفي اليقين مطرا واملا وانتفاضات.
خرج ابو هزاع من تابوت السجن يحمل ربع قرن من عمره خلف الظلمات، ظل يصرخ هناك حتى تصدعت الجدران وانسحب السجان، وهو الذي حمل على جسده كل أشكال التعذيب وسياسة الطمس الوطني والثقافي منذ البدايات ، ليصير السجن مدرسة ونشيدا للقادمين والعائدين والقابضين على الجمر سنوات وسنوات.
خرج زياد ابو عين من تابوت السجن يحمل اكثر من خمسة عشر عاما من عمره خلف القضبان، تقيأ الليل وفتح النوافذ مشرعة على الدنيا، وظل يصرخ حتى ارتوى الزيتون وهبت الرياح من كل الاتجاهات، مسامات الارض تفتحت، وسال الزيت في عروق الشجر والقمر ، واستوت الشمس في القدس وفي الصلوات.
بين الشهيدين احمد هزاع وزياد ابو عين ، ضوء ميلاد، شجرة تضاء في كل ساحة، أولاد يركضون الى احلامهم ، يعدمون على كل حاجز، يطاردهم القناص الاسرائيلي في النوم واليقظة، يدعس على الحلوى والرسائل والعمر القادم، يسيل الدم، تصمت الشفاه الصغيرة، تسكت الاجراس.
بين الشهيدين احمد هزاع وزياد ابو عين آلاف السنين المكبلة، اسرى تجاوزا خطوط الموت في السجون والمعسكرات، اسرى لازالوا يبحثون عن اسماءهم هنا في الوقت والقرار والذاكرة.
بين الشهيدين احمد هزاع وزياد ابو عين خيول تصهل في الشوارع والحارات وفي الجثث الباقية، ظمأى الى فضاء سياسي اعلى، كلما صرخ شهيد نهض آخر في الجولة الثانية، هنا على المفترقات، وهنا في المخيمات وفي حقول القمح والزيتون، بلد متخمة بالجراح وبالطلقات، رأس غزة مقطوع بين يديها، عين اسد قلعها مستوطن في المنارة، حقل تفاح وقرية وذكريات وحجارة، جدار وسياج وبرج ودم ورصاص وصلب ومقاومة.
بين الشهيدين زياد ابو عين واحمد هزاع ضوء ميلاد، فزع اطفال في الزنازين، صوت خوف في أقبية التحقيق، جرحى يتألمون حتى الموت، نساء يلوحن بالمناديل لأولادهن الشهداء، جنود يطلقون النار على الحياة من خلف الابراج، يتعثرون بأشلائنا وبالاسلاك.
بين الشهيدين زياد ابو عين واحمد هزاع ضوء ميلاد، الف ليلة على البرش وفي زنازين العزل، حفلات الضرب، الجوع وليس الركوع، الظلام الذي اضاءته الارادات، دولة السجناء في دولة الاحتلال، سقط المؤبد والقوانين العنصرية، الاصابع تخرج من نعوشها، النعناع من الجروح العميقة ، الاحلام من كابوسها، الالفاظ من قاموسها ، الاعلام والاشجار والاشعار والافكار، الاسماء والالقاب والاشياء والاديان والشرائع، الناس تخرج للساحات والشوارع فيضا من النور، سدا من الارادة والروح العنيدة.
بين الشهيدين زياد ابو عين واحمد هزاع ضوء ميلاد، الشهداء يسكبون دمهم لينهض العدم، او ليتكلم احد، او يأتي من وراء الجبل، شهود على تقطيع اجسادهم دون مغيث سياسي او مسعف مغامر او ريح عابرة، فقد خلا العالم تماما من الاحياء، فلسطين تكتظ بالشهداء كل ساعة، لم يصل المدعي العام للمحكمة الجنائية ، لم يصل الامين العام للأمم المتحدة، وصلت الجنازة الى اعلاها.
بين الشهيدين زياد ابو عين واحمد هزاع ضوء ميلاد، تجلس القنابل على ابواب المدارس، رصاص متفجر في الاجساد على الحواجز، جثث مأسورة في المقابر والثلاجات، كأن عنق هذه الارض مربوط بحبل في السماء، ولكن انبياؤنا علمونا ان الضوء الاول يخرج من الظلام الاول ، وفي هذه اللحظة يخفق قلب الارض.
بين الشهيدين زياد ابو عين واحمد هزاع ضوء ميلاد، وعلى قراء السماء ان يهبطوا الآن على ارضنا، ليتحدثوا مع الركام والاشلاء، ويجرون الحوار مع الاكفان والقبور، ومع الرؤوس المهشمة، وقبل صلاة منتصف الليل وبزوغ الفجر.
بين الشهيدين زياد ابو عين واحمد هزاع ضوء ميلاد، ليلة البشرى واشتعال الآيات، ليلة المحبة والمسرة والسلام، ليلة الدعاء الطويل كسيل الدم، رائحة مطر ، بخور يتصاعد من الجثث، نبوءة أخرى ووعد من السماء.
بين الشهيدين سلام وتحية
خرج الاول من الثاني زيتونة
خرج الثاني من الاول حرية
الظلام والنور في ثوب واحد
طوبى .... طوبى