جُبّ يوسف في سنجل
تعيش أسطورة جُب يوسف في قرية سنجل شمال شرق رام الله، التي يرتبط تاريخها بالفترة الصليبية، ويوجد إجماع من قبل المؤرخين، على أن القرية ذات الموقع الإستراتيجي على طريق القدس-نابلس (عند الكيلو 38 على هذه الطريق) قد أخذت اسمها من القائد الصليبي "ريمون دي سان جيل"، الذي يحظى بمكانة هامة في حكايات القرون الوسطى، باعتباره نموذجا لأخلاق وفروسية تلك الفترة من وجهة النظر الصليبية.
وهذا الجُب الذي ذكره كثير من الجغرافيين العرب، عبارة عن بئر مهملة الآن تقع وسط بلدة سنجل القديمة، تغذي (عين البلد) في القرية، التي كانت مصدر مياه الشرب الرئيس للسكان.
ولا يعكس اهتمام الأهالي بحكاية البئر باعتباره الجب المذكور في الكتب الدينية، الذي ألقى إخوة النبي يوسف به فيها) فوضع البئر والمنطقة حولها مهملة ومليئة بالأوساخ.
ويقول مواطنون يقطنون في بلدة سنجل القديمة، التي تبدو كثير من منازلها القديمة، مدمرة جزئيا أو كليا، إ سراديب عديدة ومتفرعة سيجدها من ينزل الى داخل البئر، ولا يعرفون الى أين تؤدي.
ولا يُعرف، الزمن الذي تعود إليه هذه البئر، ولكن يلاحظ أنها اكتسبت أهميتها خلال وبعد الاحتلال الصليبي، حيث يعتقد أن الكثير من الأساطير والحكايات التي سيقت عن كثير من المواقع الفلسطينية تعود لتلك الفترة، وقد يكون الهدف منها تبرير تلك الحروب لدى الجنود والعامة، وهو النفس السبب الذي جعل القائد صلاح الدين الأيوبي، ومن بعده سلاطين المماليك، يتبنون هذه الروايات، لتحفيز العرب والمسلمين على الدفاع عنها، في وجه الأعداء، باعتبارها ترتبط بالتقاليد الدينية.
وهذا ما يفسر وجود عدة مواقع في فلسطين تخص نفس الحادثة أو الشخص، فبالإضافة الى جب يوسف في سنجل، هناك اعتقاد بان بئر الحفيرة في (دوثان) على طريق جنين-نابلس، هو جب يوسف، بينما حملت إحدى القرى قرب طبريا اسم (جب يوسف).
ولم يتوقف الجغرافيون العرب عند هذا التناقض، فنجد ياقوت الحموي مثلا يذكر في معجمه عن سنجل: "سجل بليدة في نواحي فلسطين، وعندها جب يوسف الصديق".
وفي الوقت ذاته يذكر عن جب يوسف قرب طبريا: "جب يوسف الصديق الذي ألقاه فيه إخوته؛ ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز. وهو في الأردن الأكبر، بين بانياس وطبرية، على اثني عشر ميلا من طبرية، مما يلي دمشق".
ولدى أهالي سنجل، ما يقولون إنها إثباتات تؤيد وجود جب يوسف في قريتهم، منها ان سهل القرية يدعى (شوريا) نسبة الى تشاور إخوة يوسف ضده، ولعل قرب القرية من خربة (سيلون) التي أقيمت عليها مستوطنة "شيلو" يعتبر دليلا إضافيا على وجود الجب في قريتهم، لأن (سيلون) وفقا للكتاب المقدس كانت مسكن النبي يعقوب، ومسرحا لأحداث جسام ذكرها العهد القديم.
وهذا ما كان مبررا، لاغتصاب خربة (سيلون) وتحويلها إلى مستوطنة، نقب فيها علماء الآثار الإسرائيليين وما زالوا، وحولوا جزءاً من مكتشفاتها الى مقصد سياحي.
ولم يفلح أهالي سنجل رغم حماسهم لبئرهم، في تحويلها الى مقصد سياحي، والحفاظ عليها وترميمها، وهم ينتظرون جهات رسمية لكي تبادر من أجل ذلك.
وإذا كانت هذه حالة (جب يوسف) في سنجل، فان (جب يوسف) قرب طبرية، لقي مصيرا أصعب، فبعد احتلال المكان عام 1948، تم ضمه الى داخل "كيبوتس عميعاد"، بالإضافة إلى بقايا مسجد وخان يعود الى عصر المماليك.