جديد أميركا.. الحرص الزائد على إسرائيل - حسن سليم
انتقادات الخارجية الأميركية على لسان وزيرها جون كيري لسياسة الحكومة الإسرائيلية، ليست بكل الأحوال دعوة لها لإعادة الحقوق لأصحابها، وليست دعوة ملزمة للعودة لطاولة المفاوضات، بل جاءت بعد أن طفح الكيل من غبائها، الذي يمكن ان يضعها في مأزق لا يسهل إخراجها منه. دعوة كيري لإسرائيل التي جاءت بلقاء مع مجلة "نيويورك" الأميركية، الأسبوع المنصرم، لتعديل سياساتها جاء في سياق التخوف من ان تضيع فرصة الحفاظ على دولتها، وان تكون مضطرة لدولة ثنائية القومية، التي ستهدد ما تم بناؤه على مدار سبعة عقود، وستفقد إسرائيل جوهرها كدولة يهودية. إن أهمية الموقف الأميركي، لما تضمن من حقائق، واستخدامه أمام العالم للدلالة على جنون السياسة الإسرائيلي، لا يعني بالضرورة إمكانية الاعتماد عليه لبناء تحالف دولي ضد إسرائيل، فموقف الإدارة الأميركية واضح لا يقبل التأويل، باستمراريته في الدعم حتى النهاية بما يضمن امن واستقرار إسرائيل، بل جاء في سياق تخوفها من طموح إسرائيل وطمعها الذي قد يدفع بها بخطوات مجنونة تخلط الأوراق التي تسعى الإدارة الأميركية لترتيبها خدمة لمصالحها، وبالطبع ستستفيد إسرائيل منها، ان التزمت بقواعد اللعبة. جون كيري كان صريحا في حديثه عندما قدم الوعود لإسرائيل بأنها ان كانت "مؤدبة" ستتم مكافأتها بعلاقات دبلوماسية رسمية مع العرب والمسلمين، دون ان يشير الى مبادرة السلام العربية التي وعدت بذلك ان انسحبت إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، بل كانت دعوته متضمنة بان يعيد العرب صياغة مبادرتهم بما يؤدي الى الانفتاح بشكل اكبر على إسرائيل، دون ثمن تدفعه الأخيرة. اذاً هو الانحياز الأميركي الذي لا لبس فيه لإسرائيل، لكن الجديد هو الإعلان صراحة عن الخوف الزائد من مراهقتها السياسية، ومن إمكانية إقدامها على فعل مجنون يحمل ولية أمرها مسؤولية، ليس هو الوقت المناسب للانشغال بحلها، فلدى الإدارة الأميركية ملفات في سوريا والعراق ومصر وليبيا، والحرب على الحوثيين في اليمن، ومراقبة تطبيق الاتفاق بشان الملف النووي الإيراني، ولديها ملف داعش الذي يحتل أهمية كبيرة لها في التعامل معه حتى لا يخرج عن سيطرتها، ولديها عودة الحرب الباردة مع موسكو، وهي كلها ملفات كبيرة مفتوحة في آن واحد، ومطلوب من إسرائيل ان تعي أهمية تلك الملفات للإدارة الأميركية، وألا تكون عبئا جديدا عليها بمشاغبتها، ومراهقة سياستها في المنطقة. ووصلتنا الرسائل الأميركية تباعا، منها ما ورد على لسان كيري، عندما أكد على حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، وتجريمه للمقاومة الفلسطينية واعتبارها إرهابا، ورسالة على لسان السفير الأميركي في إسرائيل، دان شابيرو، بانه لن يكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق لتنفيذ "حل الدولتين"، الفلسطينية والإسرائيلية، فيما تبقى من وقت، من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأمر الذي يشير الى أن المطلوب هو إبقاء الحال على حاله، مع تـأكيد بلاده على الالتزام بالحفاظ على امن إسرائيل وضمان تفوقها النسبي إزاء الشرق الأوسط المتغير. إن الغضب الذي يعبر عنه كيري ولم نرَ أثره في السياسة الإسرائيلية، كان يتطلب بالحد الأدنى الاعتراف لصاحب الحق بحقوقه الدنيا، اقلها ان يستخرج شهادة ميلاد للدولة، وحقه في رفع علمها، ان كان يرى بأنه مبكرا ان تقوم تلك الدولة، او على الأقل فتح المجال أمام آخرين للقيام بواجب الضغط نيابة عنها ولتخليصها من حرج تشعر به، وليس الوقوف كجدار أصم يحمي سياسة العزل والتهويد والقتل الممنهج التي تعتمدها ربيبتها إسرائيل، التي اقر كيري بجنون سياساتها، وبأنها تتنافى بشكل كامل مع الرغبة في التوصل الى سلام.