الثورة فكرة وجدت سلاحها - د.حنا عيسى
"عندما تكون الديكتاتورية واقعا ، فتصبح الثورة حقا مشروعاً "
( فيكتور هوغو )
الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. والثورة تدرس على أنها ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير(لاتشترط سرعة التغيير) وفقا لأيدولوجية هذة الفئة أو الجماعة، ولاترتبط بشرعية قانونية، كما تعبر عن انتقال السلطة من الطبقة الحاكمة إلى طبقة الثوار.. ووصف الفيلسوف الإغريقي أرسطو شكلين من الثورات في سياقات سياسية: (التغيير الكامل من دستور لآخر.. والتعديل على دستور موجود).
أما التعريف التقليدي القديم للثورة والذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا.
التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة هو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع. والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم. وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989، أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية (1954-1962).... أما الانقلاب العسكري فهو قيام أحد العسكريين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصية من كرسي الحكم.
الثورة الفلسطينية الكبرى
وهي التي انطلقت في 20 نيسان 1936 ، وامتدت حتى عام 1939، وتتميز عن الثورات التي قامت ما بين 1920 و1933، إذ أن جميع ما عرف بالثورات الفلسطينية قبل ثورة 1936 لم يكن أكثر من هبات أو انتفاضات، أما ثورة 1936 فقد توافرت لها شروط الثورة هدفاً وأداة وأسلوبا، وهي تمثل محطة بارزة في حركة النضال الوطني الفلسطيني ضد الصهيونية والاستعمار البريطاني منذ أواخر القرن التاسع عشر، فهي نقلة نوعية في توجهات هذا النضال بعد حالة الوهن العام التي اعترت الحركة الوطنية الفلسطينية في أعقاب هبة البراق عام 1929.
وبدأت بطريقة شبه عفوية ما لبث أن استقطبت الشعب على نحو غير مسبوق، على أهداف وقف الهجرة اليهودية، ومنع بيع الأراضي واغتيال باعة الأرض والسماسرة والجواسيس والتصدي لمشروع التقسيم الذي كانت بريطانيا تمهد لتنفيذه، وصيانة عروبة فلسطين والحفاظ على أراضيها ومنع تهويدها، وإعلان استقلالها في وحدة عربية شاملة.
لجأت الثورة إلى الكفاح المسلح أسلوبا، لانتزاع حقوقها من الاستعمار البريطاني، ولم تتوقف إلا عند اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، لأسباب ذاتية، وأسباب تتعلق بالتدخل العربي الرسمي لإنهاء الإضراب، والتحالف الفرنسي البريطاني عشية عام 1939.
عوامل اندلاع الثورة
اضطرت القيادة الفلسطينية إلى اللجوء إلى الثورة كخيار الشعب الوحيد نتيجة تطورات الأحداث بعد هبة البراق 1929، وكانت هذه التطورات والأحداث تشكل خطراً كبيراً على الوجود العربي في فلسطين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ومن هذه التطورات ما يلي:
· القيادة والمؤسسات التقليدية التي أدت إلى ضعف الحركة الوطنية الفلسطينية، وخصوصاً بعد وفاة رئيس اللجنة التنفيذية موسى كاظم الحسيني وحل اللجنة والشروع في تجربة "القيادة من خلال الأحزاب" التي كانت مظهراً جديدا للعشائرية والإقطاعية السياسية، وقد ساعدت في ذلك سياسة المندوب السامي البريطاني الجديد واكهوب.
· ثورة الشيخ عز الدين القسام 1935: تجسد فيها الإيمان بعدم جدوى العمل السياسي وأن العمل المسلح هو السبيل الوحيد لبلوغ الأهداف الوطنية، وقد أيقظت هذه الثورة الشعب الفلسطيني وأشعلت في نفسه الحماسة للجهاد.
· التحركات الوطنية والقومية العربية: تمثلت في حصول العراق على شبه استقلال بمعاهدة عام 1930 التي ألغت الانتداب، واضطرابات مصر المطالبة بإعادة الدستورعام1923، وإضراب سوريا في 1936 بهدف إلغاء الانتداب.
· الأعداد المتزايدة في الهجرة اليهودية: حيث وصلت عشية ثورة الـ36 إلى نحو 40 ألف مهاجر، واستمرار الهجرة السرية إلى فلسطين مع تغاضي الحكومة البريطانية عنها والتستر عليها وحمايتها، ورفض مجلس العموم البريطاني مطلب العرب بوقف الهجرة اليهودية .
· استيلاء الصهاينة على الأراضي الفلسطينية وسن الأنظمة والقوانين من قبل الحكومة البريطانية لتسهيل عملية الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلاحين وتحولهم إلى عمال يعانون من البطالة.
· نمو الوضع العسكري للصهاينة: حيث تمت إعادة تنظيم "الهاغاناه" بعد هبّة البراق، من حيث العدد وتوسيع المهمات، والعدوان من قبل المستوطنين على المدن والقرى المجاورة واقتراف أعمال إرهابية إجرامية ضد العرب، وتصنيع السلاح واستيراده بكميات وفيرة بشكل سري وتوزيعه على المدن والمستعمرات الصهيونية.
· كانت الساعة الحادية عشرة من مساء يوم 31كانون الأول /ديسمبر 1964 موعدا للعملية العسكرية الأولى "عملية عيلبون" اعلاناً لبداية الثورة والكفاح المسلح، وكتب عرفات وخليل الوزير بلاغ العملية ووزعاه على صناديق بريد الصحف والمؤسسات الإعلامية والأحزاب في بيروت.وحمل البيان توقيع جهة غير معروفة حينها "العاصفة" وهي الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني الفلسطيني .. واعتمدت الثورة الفلسطينية بعد ذلك تاريخ الأول من كانون الثاني /يناير من كل عام للاحتفال بإنطلاق الكفاح المسلح لتحرير فلسطين ... وتواصلت العمليات الفدائية بعد ذلك، وعندما ضغطت مشكلة تأمين الموارد المالية على "فتح" قام ياسرعرفات بتصفية أعماله في الكويت للمساعدة في تمويل الحركة، وانتخب قائدا عسكريا للحركة، وتصاعدت وتيرة العمليات الفدائية في العام 1966 خاصة تلك التي تنطلق من أراضي الضفة الغربية التي كانت خاضعة للسيادة الأردنية.
وتطلعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح ، كأساس للثورة الفلسطينية المعاصرة، لتطبيق مبادئ أساسية، من جملتها :
1. أن فلسطين جزء من الوطن العربي والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية وكفاحه جزء من كفاحها.
2. الشعب الفلسطيني ذو شخصية مستقلة وصاحب الحق في تقرير مصيره وله السيادة المطلقة على جميع أراضيه.
3. الثورة الفلسطينية طليعة الأمة العربية في معركة تحرير فلسطين.
4. نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك لشعوب العالم ضد الصهيونية والاستعمار والإمبريالية العالمية.
5. معركة تحرير فلسطين واجب قومي تسهم فيه الأمة العربية بكافة إمكانياتها وطاقاتها المادية والمعنوية.
6. المشاريع والاتفاقات والقرارات التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة أو مجموعة من الدول أو أي دول منفردة بشأن قضية فلسطين والتي تهدر حق الشعب الفلسطيني في وطنه باطلة ومرفوضة.
7. الصهيونية حركة عنصرية استعمارية عدوانية في الفكر والأهداف والتنظيم والأسلوب.
8. الوجود الإسرائيلي في فلسطين هو غزو صهيوني عدواني وقاعدته استعمارية توسعية وحليف طبيعي للاستعمار والإمبريالية العالمية .
9. تحرير فلسطين والدفاع عن مقدساتها واجب عربي وديني وإنساني.
10. حركة فتح هي حركة وطنية ثورية مستقلة تمثل الطليعة الثورية للشعب الفلسطيني.
11. الجماهير الثائرة ، والتي تضطلع بالتحرير ، هي صاحبة الأرض ومالكة فلسطين.
وأخيراً صدق فيدل كاسترو عندما قال :" إن الثورة هي صراع بين الماضي والحاضر ، والطريق الى إنجازها ليس مفروشا بالورد "