لمناسبة الانطلاقة51 حركة فتح والبحث عن الغيمات الماطرة (2/6) - بكر أبو بكر
قال الخالد فينا الراحل ياسر عرفات من على منصة الامم المتحدة في نيويورك عام 1974: (ترجع جذور المشكلة الفلسطينية إلى أواخر القرن التاسع عشر أو بكلمات أُخرى إلى ذلك العهد الذي كان يسمى عصر الاستيطان وبداية انتقال إلى عصر الإمبريالية حيث بدأ التخطيط الصهيوني_ الاستيطاني لغزو أرض فلسطين بمهاجرين من يهود أوروبا كما كان الحال بالنسبة للغزو الاستيطاني لأفريقيا. في تلك الحقبة التي توطدت فيها سطوة عتاة الاستيطان المقبلين من الغرب إلى افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية للاستيطان وإقامة المستوطنات وممارسة أشد أشكال الاستغلال والاضطهاد والنهب لشعوب القارات الثلاث. إنها الحقبة التي ما زلنا نشهد آثارها العنصرية البشعة في الجنوب الأفريقي وكذلك في فلسطين. وكما استخدم الاستيطان والمستوطنون أفكار (التمدن والتحضر) لتبرير الغزو والنهب والعدوان في أفريقيا وغيرها. كذلك استخدمت هذه الذرائع لغزو فلسطين بموجات المهاجرين الصهاينة. وكما استخدم الاستيطان والمستوطنون الدين واللون والعرق واللغة لتمرير عملية استغلال الشعوب وإخضاعها بالتمييز والتفرقة والإرهاب في أفريقيا، كذلك استخدمت هذه الأساليب لاغتصاب الوطن الفلسطيني واضطهاد شعبه ومن ثم تشريده. وكما استخدم الاستيطان، وقتئذ، المحرومين والفقراء والمستغلين كوقود لنار عدوانه، ومرتكزات الاستيطان، كذلك استخدم الاستيطان العالمي والقادة الصهاينة اليهود المحرومين والمضطهدين في أُوروبا كوقود للعدوان ومرتكزات للاستيطان والتمييز العنصري. إن الإيديولوجية الصهيونية التي استخدمت ضد شعبنا لاستيطان فلسطين بالغزاة الوافدين من الغرب استخدمت في الوقت ذاته لاقتلاع اليهود من جذورهم في أوطانهم المختلفة ولتغريبهم عن الأمم. إنها أيديولوجيا استيطانية عنصرية تمييزية رجعية تلتقي مع اللاسامية في منطلقاتها، بل هي الوجه الآخر للعملة نفسها. فعندما نقول إن تابعي دين معين هم اليهود، أياً كان وطنهم، لا ينتسبون إلى ذلك الوطن ولا يمكن أن يعيشوا كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين من الطوائف الأخرى، فإن ذلك اللقاء مباشر مع دعاة اللاسامية، وعندما يقولون إن الحل الوحيد لمشكلتهم هو أن ينفصلوا عن الأمم والمجتمعات التي هم جزء منها عبر تاريخ طويل، ثم يهاجرون ليستوطنوا أرض شعب آخر ويحلوا محله بالقوة والإرهاب يأخذون من غيرهم الموقف نفسه الذي أخذه دعاة اللاسامية منهم. سقوط جغرافيا فلسطين وجدل الحل في ظل جدل الصراع وأصوله وكيفية مواجهة تحديات التشظي والتشرذم للأمة في بلدانها ومقدراتها وحضارتها وثقافتها برزت الافكار الكبرى الثلاث تلتمس الحل النهائي وتصبو للإجابة على كل الأسئلة ومن هنا نما التيار القومي وبرز الاسلامي وكان للاشتراكي ظهورا ومكانة. سقطت جغرافيا فلسطين بين أيدي الحركة الصهيونية بتسهيلات كان لا غنى عنها من (الانتداب البريطاني)، ولم يكن الشعب الفلسطيني إزاء ذلك مستكينا ولا مستسلما ولا خانعا، وإنما كان ثائرا شجاعا مقداما قدم الهبّات والثورات منذ العام 1919 ثم في العشرينيات، وهبّة البراق عام 1929 (تعود اليوم القضية في حائط البراق والمسجد الأقصى المبارك ككل لتغلغل العقلية التوراتية الخرافية في المجتمع الاسرائيلي في فلسطين) فالنشاط التنظيمي للشيخ عز الدين القسام ثم ثورة 1936– 1939 وما رافقها من أساليب نضال عدة كان للأخ العربي فيها دور واضح بغض النظر عن دينه أو مذهبه، ومع سقوط الجغرافيا برز العلم السياسي الجديد الذي يعلن ولادة دولة (اسرائيل) على أشلاء فلسطين الممزقة جغرافيا فكانت النكبة التي ما زالت حيّة فينا كفلسطينيين وكملايين من اللاجئين المتوزعين على أصقاع المعمورة الذين سيكحّلون أعينهم مهما طال الزمن بكحل فلسطين وهوائها المعطّر. في هذا الخضم من التاريخ والأفكار، وفي هذه البيئة الصعبة حيث المرواحة بين اليأس والأمل وبين الاحباط والعمل وبين السلبية وعقلية الابداع الايجابية اختطت حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح تاريخا جديدا منذ العام 1957 حيث تعالت الهمسات لتنشئ كيانا أعلن عن ذاته بقوة عام 1965. فلسطين فقدت الجغرافيا بإنشاء الكيان الاسرائيلي، ثم طحنتها دهاليز السياسة لتنشئ فوق جسدها كيانا جديدا، كان لابد من أن ترفضه هذه الجغرافيا (الأرض) وأهلها بأشكال عدة ليس أولها الكفاح المسلح أو حرب الشعب طويلة الأمد (النفس) وليس لآخرها المقاومة الشعبية المنتصرة اليوم والمحصنة بغضبة القدس أو هبة أو انتفاضة القدس (2015) التي لا تحتاج لكثير جهد لتعلن أن هذا الشعب لا ينسى ولا ييأس ولا تخور قواه مهما جهدت (اسرائيل) في محاولات احتلال التاريخ عبر وسائط المادة بغرس المستوطنات (المستوطنات أو المستدمرات) بين ثنايا الجسد أو شق الجسد الذي توافق الفلسطينيون أن يقيموا فيه دولتهم المستقلة دولة فلسطين على جزء صغير من أرض فلسطين.