نشأت وبيغن- عمر حلمي الغول
الارهاب الاسرائيلي المنظم لا يمكن ان ينتج سوى ردود فعل موازية له في القوة والثقل. ويخطئ من يعتقد ان العنصرية تستطيع ان تحمي منتجيها، بل انها سلاح ذو حدين، وانعكاساتها على المجتمع الاسرائيلي ستكون مضاعفة، ليس من الفلسطينيين بل من جماعات "تدفيع الثمن" و"الهباة" و"فتيان التلال" وحتى في اوساط الجيش والمؤسسة الامنية والعسكرية عموما. لانها تنتج وتعمم ثقافة القتل ونفي الاخر. وتجعلها تولد إسقاطاتها في داخل النواة المجتمعية الاسرائيلية، ولا تعود تميز بين اليهود الصهاينة والفلسطينيين العرب.
بالعودة للتاريخ وسجل مناحيم بيغن، مؤسس حزب حيروت والاب الروحي لليكود، كان قبل قيام دولة إسرائيل، يقود منظمة "الإيتسل" الارهابية، احدى اذرع الحركة الصهيونية في التأصيل للمشروع الكولونيالي الصهيوني في فلسطين العربية وعلى انقاض شعبها. بيغن أعطى اوامر صريحة لرجال منظمته الارهابية، بعدم الانجرار "لحرب الاهلية" مهما كانت الظروف. والتعامل بروح المسؤولية في مواجهة الاعتقالات، التي يتعرضون لها من قبل خصوم "الايتسل" في الييشوف، اي من قبل المنظمة الارهابية الاكبر "الهاغاناة". وبالمقابل تعامل بيغن بمنتهى الحدية والعنف مع سلطات الانتداب البريطاني، ورفض اي مهادنة معها، مع ان بريطانيا، هي، وليس احد غيرها من مهد الطريق لقيام دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. ففي تموز 1947، عندما أصدرت المحاكم البريطانية حكما بالاعدام شنقا ضد ثلاثة من رجال "الايتسل"، خطفت المنظمة شاويشين (سيرجنت) بريطانيين (مع انهما كانا عمليا مخبرين لدى الهاغاناة) وهددت السلطات الانجليزية " إن إعدام رجالها سيؤدي لاعدام البريطانيين." وفي 31 تموز1947 أعدم البريطانيون يعقوف فايس، وأفشلوم حبيب ومئير نيكر، إثر ذلك أعطى حاييم لانداو (والد لانداو الحالي) قرارا باعدام البريطانيين بناء على تعليمات بيغن. (ويكيبيديا)
ما علاقة ما تقدم بالعملية، التي نفذها نشأت ملحم في شارع ديزنكوف يوم الجمعة الماضي، العلاقة عميقة، لأن الشرطة الاسرائيلية قتلت ابن عم نشأت عام 2006. في إثر ذلك حاول اختطاف سلاح جندي إسرائيلي وقتله، لكنه فشل، وحكم عليه خمسة اعوام اعتقال. لكن تجربة الاعتقال، لم تنسِ منفذ العملية الانتقام لابن عمه. لانه قتل بدم بارد، ودون اي مبرر. وحين حانت اللحظة المناسبة، قام نشأت باستخدام سلاح والده المرخص (يعمل حارسا مدنيا) ونفذ عملية القتل على مسافة لا تزيد عن الامتار القليلة لمركز الشرطة الاسرائيلية وسط تل ابيب. وكأن لسان حال نشأت، يقول لحكومة نتنياهو وحكومات إسرائيل المتعاقبة "العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم". طالما اخترتم طريق العنصرية والفاشية وبالتالي التطهير العرقي، عليكم تحمل نتائج سياساتكم الارهابية، لان ناسكم ليسوا احسن من ناسنا.
ومن محاسن او مساوئ الصدف، حصول جريمة قتل لسائق تاكسي فلسطيني من عائلة شعبان قبل ساعة في منطقة العملية دون ان تثار اية زوبعة او ضجيج إعلامي وامني في الاوساط الاسرائيلية، وكأن دم السائق الفلسطيني، الذي يعيل احد عشر شخصا، لا يستحق التوقف او الاعلان عن ذلك، حتى لا تترك عملية قتله اية ردود فعل. ولكن إلى متى؟ وعلى اي اساس سيقبل الفلسطيني سياسة القهر والقتل والاعتقال دون سبب؟ وكيف يمكن للفلسطيني العربي التعايش مع ارهاب المنظمات الصهيونية المتطرفة كـ"تدفيع الثمن" و"الهباة" ومع التشريعات العنصرية المنافية لأبسط المعايير الانسانية؟
وحدث ولا حرج عن جرائم الحرب والمحارق في الاراضي المحتلة عام 1967، والعمل بخطى حثيثة لقتل وتبديد خيار السلام. ومواصلة الاعتقال للآلاف والقتل والاعدام الميداني للعشرات من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب. المحصلة الارهاب والاحتلال والتمييز العنصري لا يمكن ان ينتج سوى رد الفعل المشروع للدفاع عن الذات الشخصية والوطنية. والخيار الامثل لنتنياهو ويعلون وبينت وارئيل وشموطريتش وليبرمان التوقف عن الارهاب والاحتلال، وفتح افق للسلام والتعايش، لانه السبيل الاقدر على إنقاذ الشعوب من براثن الموت والعنصرية والفاشية الاسرائيلية المتصاعدة. فهل يتوقفون عن جرائمهم وحروبهم الوحشية؟
oalghoul@gmail.com