أبدْعْت يا "أبا مازن"! - صالح القلاب
كان ضروريٌّ جدّاً أن يعلن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أن: السلطة الوطنية إنجاز وطني للشعب الفلسطيني وأنه غير وارد حلَّها فقد تكاثر الكلام في الآونة الأخيرة حول هذه المسألة بل والضغط إنْ من قبل, «حماس», التي أنشأت «دوقية» لها في غزة وتعتبر أنَّ المس بها دونه جز الحلاقيم وإنْ من قبل اليمين الإسرائيلي الذي على رأسه بنيامين نتنياهو الذي يرى في هذه السلطة, وهذا صحيح, الخطوة الأخيرة نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
غير معروف من هي الجهة التي أوحت للرئيس (أبو مازن) بهذه الفكرة غير الخلاقة, أي فكرة حل السلطة, وفي فترة ازداد فيها اليأس لدى الشعب الفلسطيني بعد انشغال العرب بأوضاعهم الداخلية المتفجرة وبعدما أعلن الرئيس باراك أوباما ليس عجزه وإفلاسه وفقط بل وعدم قدرته على مخالفة سياسات بنيامين نتنياهو ومواقف التنظيمات الصهيونية الأكثر تطرفاً التي من المفترض أنَّ مواقفها تجاه القضية الفلسطينية تشكل خطراً فعليّاً على المصالح الأميركية في هذه المنطقة التي ستبقى حيوية وإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة إنْ في المستقبل القريب وإنْ في المستقبل البعيد .
المعروف عن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أنه الأكثر واقعية من بين «إخوته» رموز الرعيل الأول الذين فجروا الثورة الفلسطينية المعاصرة, التي حلت ذكراها الخمسين في هذه الأيام, ولهذا فإنه كان مستغرباً للذين يعرفونه عن قرب حتى قبل اتفاقيات أوسلو, التي هي إنجاز فلسطيني أيضاً, بعشرين عاماً ويزيد أنه تأخر كثيراً في إعلان ما أعلنه قبل أيام من كنيسة القيامة في بيت لحم والتأكيد على أنَّ السلطة الوطنية باقية حتى قيام الدولة الفلسطينية المنشودة وإنها إنجاز لا يمكن التفريط فيه.
إنه لم يكن لا غريباً ولا مستغرباً أنْ تناصب حركة «حماس» اتفاقيات أوسلو والسلطة الوطنية العداء وأن تبقى تطالب بحلها وحلِّ منظمة التحرير فهي, أي «حماس», أحد فروع الأخوان المسلمين والمعروف أن الأخوان المسلمين يعتبرون أنفسهم حركة كونية عالمية لا تؤمن بالانجازات الوطنية «الصغيرة» التي على شاكلة السلطة الوطنية والدولة الفلسطينية التي يطالب بها ويسعى إليها الشعب الفلسطيني وذلك مع أن «حماسهم» لم تتورع عن القيام بانقلاب دمويٍّ ضد مَنْ مِنْ المفترض أنهم رفاق السلاح من أجل إقامة هذه «الدوقية» البائسة الصغيرة التي أقامتها في غزة .
ربما أنه ليس مقبولاً وإنما مفهومٌ أنْ يصل اليأس وضيق الأفق بالفلسطيني العادي, الذي يواجه كل هذه الظروف القاسية والصعبة في الضفة الغربية المحاصرة من أربع رياح الأرض, أن يطالب بحل السلطة الوطنية وحلِّ منظمة التحرير وحل «فتح» أيضاً لكن أنْ يصدر مثل الكلام عن بعض القيادات الفلسطينية فإن هذا غير مقبولٍ وغير مفهوم وبخاصة وأن هؤلاء عندما يواجهون بسؤال: ما هو البديل؟ فإنهم لا يجدون أي جواب منطقيٍّ مقنعٍ لهم أولاً ثم لغيرهم .
إن حلَّ السلطة الوطنية وحلَّ منظمة التحرير و»فتح» هو تخلٍّ عن انجازات حقيقية وفعلية دفع ثمنها الشعب الفلسطيني شهداء أبراراً ودماءً زكية وعذابات وتشريداً ولذلك فإنها جريمة ما بعدها جريمة بحق هذا الشعب المكافح العظيم أنَّ يكون هناك حتى مجرد تفكير بهكذا خطوة انتحارية ستؤدي حتماً إلى الفوضى والضياع وإلى فتْح أبواب اللجوء والهجرة مجدداً إلى الدول العربية القريبة والبعيدة وهذا يجب أن يفهمه الأردنيون ويتوقفوا عنده مليّاً وذلك لأنَّ بعضهم «يرخُون» آذانهم لما تقوله حركة «حماس» ولما يقوله «الأخوان المسلمون».. ولأن بعضهم لا يدركون أن بديل السلطة ومنظمة التحرير وحركة «فتح» هو الفوضى وهو التذابح الداخلي.. وهو العودة إلى: «الكف الأسود» وهذا كله يعني انتظار رحيل جماعي من الغرب إلى الشرق.. من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية .
عن الرأي الاردنية