درس تأهيلي في السياسة- د. أسامة الفرا
يبدو أن وزيرة خارجية السويد ضاقت ذرعاً ليس فقط من الصمت الدولي حيال عربدة دولة الاحتلال بل أيضاً من التخاذل العربي، حين قررت أن تسمي الأمور بمسمياتها بعيداً عن اللغة الدبلوماسية المقيتة التي اعتاد الغرب تناولها عند الحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي دوماً ما كانت تحمل طرفي الصراع بالتساوي نتيجة ما آلت إليه الأمور. وزيرة خارجية السويد دعت أمام برلمان بلادها لإجراء تحقيق معمق حول ظروف قتل الفلسطينيين برصاص القوات الاسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة، الرواية الاسرائيلية التي جعلت من جرائم الاعدام التي تنفذها بحق الفتية الفلسطينيين دفاعاً عن النفس، تارة بحجة عملية طعن وتارة اخرى بذريعة محاولة الدهس، لم تنطل على وزيرة الخارجية سيما وأن التقارير المصورة التي تناولت تفاصيل العديد منها بينت بشكل لا لبس فيه عمليات إعدام يتم تنفيذها في وضح النهار.
سبق لوزيرة الخارجية السويدية أن أثارت حفيظة دولة الاحتلال حين تطرقت في حديث متلفز إلى ظاهرة التطرف حين قالت إن الفلسطينيين على وجه الخصوص لا يرون أدنى مستقبل لهم، ويتعين عليهم إما أن يقبلوا وضعاً بائساً أو يلجأوا إلى العنف، ما يدركه العالم بأسره، سواء أفصح عن ذلك أم سار على هدي النعامة وهي تدفن برأسها في التراب، إن غياب حل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في اقامة دولته المستقلة يشكل بؤرة للتطرف ليس فقط داخل المجتمع الفلسطيني، بل في المنطقة التي تصل بتداعياتها إلى دول العالم المختلفة، سواء كان منطلق هذا التطرف الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وسلوك دولة الاحتلال التي يجعلها فوق القانون وخارج دائرة المساءلة، أو أن القضية الفلسطينية بمثابة قميص عثمان يعلق عليه البعض تطرفه.
بعد اعلان السويد اعترافها بدولة فلسطين، والسياسة التي انتهجتها وزارة خارجيتها بتسمية الأشياء بمسمياتها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، دفع ذلك قيادة دولة الاحتلال لشن هجوم غير مسبوق على وزيرة الخارجية، واستحضروا في ذلك الاسطوانة المشروخة المتعلقة بمعاداة السامية، وخرجت قيادات اسرائيلية بتصريحات وقحة، وبدأت قيادة الاحتلال بشن حربها غير الأخلاقية التي اعتادت على فعلها ضد من لا يسير في فلكها من قادة العالم، حيث حركت قضية شقة مستأجرة من قبل وزيرة الخارجية بدعوى أنها لم تخضع لإجراءات الانتظار المتبعة في السويد رغم نفي وزيرة الخارجية لذلك.
الاتهامات التي وجهتها حكومة الاحتلال لوزيرة خارجية السويد والقرار الذي اتخذته بأنها شخص غير مرحب به في اسرائيل، لم تدفع وزيرة الخارجية للتراجع عن سياستها التي تكشف بها عورة بعض السياسات العربية قبل الدولية، حيث تقدمت السويد ومعها ايرلندا وبعض الدول الأوروبية بمشروع قرار للتصويت عليه من قبل مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، يجعل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خارج كافة الاتفاقات الموقعة بين دول الاتحاد الاوروبي وحكومة الاحتلال، وهو ما يعني خطوة عملية نحو فرض المزيد من العقوبات على المستوطنات الاسرائيلية، حيث تنتقل دول الاتحاد الأوروبي من العلامة التجارية، التي توضح مكان البضاعة الواردة اليها التي تبقي الخيار لمواطنيها في التعامل معها، إلى اخراج منتجات المستوطنات من حيز الاتفاقات الموقعة مع حكومة الاحتلال.
لا شك أن وزيرة خارجية السويد لقنت المشتغلين في عالم السياسة درساً في مفهوم السياسة الخارجية، وكشفت المزيد من عجز بعض السياسات العربية فيما يتعلق بالعمل السياسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
osgovernor@hotmail.com