الخازوق- محمد علي طه
اشتهر أحمد باشا الجزّار، والي مدينة عكّا في القرن الثّامن عشر، بمعاقبة معارضيه بالخازوق، ولا أدري اذا كان هذا العقاب القاسي "مأثرة" جزّاريّة أم اقتباسا عن حكّام "عادلين" سبقوه في الحكم وفي التّاريخ. والخازوق لغةً جمعه خوازيق وهو عمود طويل محدّد الرّأس يُدخَل في دبر "المجرم" فيموت عليه، ومنه الفعل "خَوزَق" في كلام المولّدين. ودخلت كلمة خازوق تراثنا الشّعبيّ واحتلّت حيّزا في حياتنا نظرا لما عاناه شعبنا من ظلم الحكّام والمستعمرين والغزاة عبر التّاريخ وصار للكلمة إيحاءات عديدة مثل العقاب المفاجئ أو الأمر السّيّء غير المتوقّع، أو كلّ حادث أو حدث يضرّ بالمرء اقتصاديّا أو اجتماعيّا، أو أيّ ضرر كان. وقد يستعمل الكلمةَ رجالٌ ونساءٌ قائلين "خَوزَقني" أو "خَوزَقته" دون أن يعرفوا أصل الكلمة أو ما هو الخازوق شكلا وهل هو من خشب أو من حديد؟
ولعلّ أقسى خازوق تعاقِب به خصمك أو عدوّك هو أن تُهمله أو تتجاهله أو تتعالى عمّا يقترفه من إساءات لك ومن بذاءات، ربما لصغر سنّه، أو قلّة تجاربه، أو شعوره بالنّقص، أو انتفاخ الضّفدع، وعندئذ قد يشعر بالخطأ والخطيئة ويتألم من هذا الخازوق الصّامت فيندم ويتراجع عن أفعاله وقد يزداد غيظًا وحمقًا.
شاركت قبل سنوات في ندوة سياسيّة ساخنة مع مجموعة من الأستاذة المحترمين، ويبدو أنّ موقفي وكلامي لم يعجب شابّا من الحاضرين فوقف وشتمني أمام النّاس فلم أعره اهتمامًا وواصلت حديثي فعاد وشتمني فلم أردّ عليه بل تابعت كلامي، فعاد وشتمني الثّالثة فصمتُّ لحظة وابتسمت وتابعت كلامي فانفجر الشّابّ قائلا: أنا أشتمك فلماذا لا تردّ عليّ. أرجوك اشتمني. لماذا تصرّ على أن تخوزقني؟
والحقيقة أنّني لم أقصد يومئذ خوزقته أو أهانته لا سمح الله. بل قررت أن أكون متسامحا وان أتعالى عن إساءات شابّ صغير احتراما للحاضرين وللقضيّة المطروحة واحتراما لنفسي.
وقبل فترة ارتكب شابّ عربيّ من بلدة عرعرة عملا إجراميا بشعا في مدينة تل أبيب وقتل بدم بارد مواطنيّن شابيّن يهوديّين ومواطنا عربيّا كان يسعى في طلب رزق عائلته، فحمل رئيس الحكومة بنيامين نتياهو منصّة الخطابة من مكتبه في القدس الغربيّة ووضعها على قارعة شارع ديزنغوف وخطب بطلاقته المعهودة وحرّض على مليون ونصف المليون عربي من مواطني دولة إسرائيل!
توقّع أصحاب المعالي والسّعادة من اليمين أن يخرج الشّبّان العرب يهتفون مؤيّدين للعمليّة وأن يغلقوا الشّوارع ويشعلوا الإطارات المطّاطيّة وأن يرجموا رجال الشّرطة بالحجارة ويحرقوا المؤسّسات وأن يدلوا بأقوال ناريّة تؤّيد الجريمة.
وحدث العكس:
استنكر العمليّة رئيس القائمة المشتركة ونوّابها ورئيس اللجنة القطريّة ورئيس مجلس عرعرة وأعضاء المجلس كما استنكرها الجامعيّون والعمّال والفلاحون، ولم يبقَ عربيّ في بلادنا لم يستنكرها!!
هذا الموقف العقلانيّ خازوق لدعاة الترانسفير. وخازوق مُبَشّم لكل من يكره حرف الضّاد.