بلاغ لادارة المعابر والمواطنين - موفق مطر
نعلم أن معابرنا واقعة تحت سلطة الاحتلال، لكن ما نعلمه أيضا هو قدرة المسؤولين في إدارة المعابر بالامكانيات المتاحة على توفير الحد الأدنى من الشعور بنشوة العودة إلى الوطن حتى لو كان المرء منا قد غادره باجازة قصيرة، فهذا الشعور متطلب أساس لتمكين فكرة الانتماء الوطني وترسيخها. لا يجوز تعليق آلام وعذابات السفر وتحديدا اثناء العودة للوطن عند معبر الكرامة على جسر اللنبي والفوضى، وضآلة مظاهر النظام والنظافة، وضعف خبرة الموظفين (العاملين) الفلسطينيين القائمين على مهمة ايصال المواطنين وحقائبهم الى الصالة الداخلية على شماعة الاحتلال، فمن خلال ملاحظاتنا في عديد السفرات، أن الفرصة متاحة لنا بتنظيم هذه الساعة التي تفوق مشقتها عناء الرحلة حتى لو كانت من وراء المحيط!
إليكم هذه الصورة القلمية: هنا وبعد انتظار في الحافلة، ينزل الواصلون للبحث عن حقائبهم، المرمية بعشوائية، فيتسابقون لسحبها من (تلة حقائب) صنعها العمال المكلفون بانزالها من المقطورة المرفقة بالحافلة، وقد تكون محظوظا ان نجت حقيبتك من عملية جراحية فيما بعد- بعد عثورك عليها، ولا يهمك في هذه اللحظة الا سلامة ما بداخلها حتى لو كانت (حقيبة سمسونايت) غالية الثمن، وقد لا تصاب بدهشة اذا وجدت اغراضك بداخلها وكأنها مضغوطة بمكبس (والعوض بسلامتك) مع ان الفرصة متاحة امام العمال لانزال الحقائب وترتيبها الواحدة بجانب اخرى لتسهيل الأمر على سيدة تحمل رضيعا في يدها، وتمسك بطفلين كبيرهما لا يزيد عن اربع سنوات، او على عجوز، يزاحمها رجال وشباب بعضلات في الوصول الى نقطة الحصول على ايصال الحقيبة لدفعها الى كاميرا المراقبة ومن ثم الى الصالة الداخلية (امر مؤسف) تجرد مواطنين من العاطفة الانسانية في مثلل هذه الحالة، وغلبة سلوك ومفهوم (الأنا) ومن بعدي الطوفان في مثل هذا المكان وهذه اللحظات التي تعتبر اختبارا حقيقيا عن مدى تطور السلوك الحضاري للمجتمعات. عربات حمل الحقائب على كثرتها تعرقل حركة الواصلين، لأن العمال ومراقبهم معنيون بالتقاط رغبة بعض الواصلين بالمساعدة مقابل "البقشيش"، على حساب تنظيم الممرات الخاصة بعربات الحقائب، وكأنهم معنيون بالازدحام لكسب البقشيش، حيث يضطر المواطن لدفعه ليتخلص مما يشبه الحشر امام نوافذ البطاقات الخاصة بالحقائب الكبيرة وبالممرات الضيقة الواصلة اليها.
لماذا لا توفر ادارة المعابر ارشادات مطبوعة، او كادر مرشدين من الجنسين، لتذكير المواطنين بما يجب فعله، وكيفية التعامل عند بوابات الفحص الأمني، حيث يضيع معظم الوقت في ارجاع مواطنين لا يعرفون او لا يتقنون متطلبات الفحص، اما التغاضي عن السيدة وأطفالها، او عجوز على عكازتين، وتركها في مؤخرة الطابور بمواجهة نافذة الجوازات، فهذا ما لا تحتمله أخلاقنا وعاداتنا الطيبة. يتكرر الحال في قاعة استلام الحقائب حيث لا بد لك من عينين اثنتين خلف رأسك لتفادي اصطدام المستعجلين (ما بعرف على ايش) الذين يتصرفون على غير هدى، ويتزاحمون وكأن في الأمر مكسبا عند ممر ضيق لا يسمح بمرور إلا عربة واحدة.
نصل إلى قاعة الوصول في استراحة اريحا فلا نجد صورة للرئيس، ولا صورة للقدس، ولا صورة من التراث الفلسطيني، حتى المقاعد فانك تحتاج الى البحث عن كرسي نظيف، اثناء انتظار وصول حقائبك من الحافلة بواسطة عمال متخصصين، ولفتني ان احدهم يجر عربة فارغة بيد وبالأخرى يجر عربة كبيرة محملة بالحقائب فيما انا ابحث عن عربة فلا أجد الا واحدة خارج الصالة علاها الصدأ تجرني الى حيث تشاء عجلاتها (الخردة) ولا تندفع الى حيث أشاء أنا، فتسوقني ولا اسوقها كما قلت لموظف مراقب كان يتفرج على معاناتي معها، أما العربة الفارغة في يد العامل فإنها محجوزة كما يبدو لكسب "البقشيش"!! فهل يعقل؟!
وعليك ان تحمد الله على سلامة رأسك من جرح وانت تمر عبر متدليات بلاستيكية يدعونها (بوابة) سميكة لا تعرف لونها الأساسي من سماكة الأوساخ عليها، رغم انها كانت تحمل لون البلاستيك الشفاف! النظافة والرتابة علامة المجتمعات الحضارية وهذا ما نريد تجسيده في مراكز المغادرة من الوطن والوصول اليه، فالمواطن بحاجة للشعور بان الضرائب التي يدفعها تصرف على تأمين راحته في كل مكان تتولى السلطات الرسمية ادارته، أما ترك صالات السفر (في المغادرة والوصول) لا تختلف كثيرا عن خارجها ومحيطها فهذا يقلل من شأن صورتنا الحضارية، ويعزز مفاهيم الاحباط واليأس لدى المواطنين.
النظافة والرتابة وتنظيم الأمور وضبطها هي مقاومة من نوع آخر، وانتصار على الصورة المشوهة التي يبثها الناكرون لحقنا في الاستقلال والسيادة.