مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقديرات وانتقادات -غازي السعدي
مقال تحليلي مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي..تقديرات وانتقادات بقلم: غازي السعدي تواجه حكومة "نتنياهو" ثلاث مطبات، سياسية وأمنية وداخلية في علاقاتها الدولية، كشف عنها في المؤتمر السنوي لمركز أبحاث الأمن القومي، الذي عقد في جامعة تل-أبيب، في النصف الثاني من شهر كانون ثاني لهذا العام، فمركز أبحاث الأمن القومي، شبيه بمركز هرتسليا، الذي يعقد المؤتمرات السنوية، والمركزان يستضيفان شخصيات سياسية وأمنية ودبلوماسية رسمية وغير رسمية، تدلي بدلوها في قضايا الساعة، بوجهات نظر مختلفة، يطلقون الانتقادات، ويتحدثون عن المستقبل، وعن الأزمات التي تعصف بإسرائيل، فهذه الأزمات متواصلة، وما تكاد تنتهي أزمة، إلا وتولد أخرى، أما المطبات الثلاثة التي تواجه إسرائيل حالياً، الأولى في تصاعد التوتر في علاقاتها مع الإدارة الأميركية، لكنها لن تصل إلى كسر عظم بين الجانبين، والثانية توتر علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي، على خلفية وسم منتجات المستوطنات، أما الثالثة فهي إسرائيلية داخلية تهدد حكومة "نتنياهو" بالإنهيار على خلفية الخلافات داخل الإئتلاف المشارك في الحكومة، هذا الائتلاف المشكل من خمس أحزاب، غير منسجمة مع بعضها البعض، وكما هو معروف، فإن حكومة "نتنياهو" تحظى بثقة (61) نائباً فقط، من أصل (120) عدد نواب الكنيست، قابلة للسقوط إذا ما انسحب أحد الأحزاب المشاركة فيها وانتقل إلى المعارضة. وممن شارك في هذا المؤتمر، كان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل "دان شبيرو"-يهودي الأصل، أميركي الجنسية- ففي خطابه هاجم السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، في الضفة الغربية المحتلة، متهماً إسرائيل بأنها تنتهج سياستين في الضفة، واحدة للمستوطنين، وأخرى للفلسطينيين، داعياً إسرائيل إلى وقف البناء في المستوطنات، وقال أن الإدارة الأميركية قلقة من استمرار البناء الاستيطاني، الذي يقود إلى جمود العملية التفاوضية، وإلى تعاظم "الإرهاب" حسب تعبيره، وفي حالات متزايدة في الضفة الغربية يأخذ المستوطنون القانون بأيديهم، ينفذون جرائم عنيفة ضد الفلسطينيين، ولا يخضعون للتحقيقات أو المحاسبة من قبل السلطات الإسرائيلية، وهذا يؤكد أن لإسرائيل نظامين لتطبيق القانون في الأراضي الفلسطينية، واحد للإسرائيليين، وآخر للفلسطينيين. أقوال السفير الأميركي، أثارت ردود فعل إسرائيلية غاضبة، ففي بيان صادر عن ديوان رئيس الحكومة "نتنياهو"، جاء فيه أن أقوال السفير غير مقبولة وليست صحيحة، مدعية بأن إسرائيل تطبق القانون على الإسرائيليين، كما هو على الفلسطينيين، وهذا كذب وغير صحيح، فالشواهد كثيرة تثبت ما قاله السفير الأميركي، لكن بيان ديوان "نتنياهو" هو استمرار للكذب والخداع، بتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن الجمود في العملية التفاوضية عبر التحريض ورفض المفاوضات فعن أي مفاوضات تتحدث إسرائيل، التي تنهب أراضي الفلسطينيين، وتواصل بناء المستوطنات، ولم تبق الفرصة لحل الدولتين، وقد ثبت من جديد، أنه لا يمكن التعايش بين الفلسطينيين والمستوطنين. من الملاحظ أن هناك توتراً في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، والدلائل كثيرة، جاءت في خطابات الرئيس "أوباما" ووزير خارجيته "جون كيري"، حتى أن الإدارة الأميركية، أعربت عن تأييدها الكامل لما جاء في خطاب السفير "شبيرو" في مركز أبحاث الأمن القومي، فالولايات المتحدة، تدافع عن الفلسطينيين وتؤيد معظم مواقفهم، بالتصريحات والخطابات، بينما تدعم إسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وفي الحلبة الدولية، وطالما أن إسرائيل تحظى بكل هذا الدعم، الذي تحصل عليه أوتوماتيكياً، فلماذا عليها أن تصغي لمبادرات الإدارة الأميركية، وهي تصب في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد، ولذلك فإنها تتصرف وكأنها دولة عظمى، فالإدارة الأميركية التي تدعم إسرائيل بثلاث مليارات دولار سنوياً، رفعت هذا المبلغ حالياً ليصل لأربع مليارات بفضل اللوبيات الصهيونية وتأييد الكونغرس المطلق لإسرائيل. المطب الثاني الذي تتعرض له إسرائيل، هو وسم منتجات المستوطنات من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر أن المستوطنات غير شرعية، وأنها لا تعترف بسلطة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة منذ عام 1967، فالاتحاد الأوروبي يصر على وضع ملصقات على المنتجات المصنعة في المستوطنات الإسرائيلية الواردة إلى أوروبا، رغم المحاولات الإسرائيلية لمنع هذا القرار الأوروبي، الذي أدى إلى تصاعد التوتر بين إسرائيل وأوروبا، فإسرائيل اعتبرت القرار تمييزياً ومخالفاً للاتفاقيات الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وأن أكثر ما أثار إسرائيل في هذا الموضوع، هو إصرار الاتحاد الأوروبي على عدم قانونية المستوطنات وفقاً للقانون الدولي، وأنها تشكل عقبة أمام السلام، وتهدد حل الدولتين، ودعت المجموعة الأوروبية إسرائيل إلى وقف كل أشكال البناء في المستوطنات، وتفكيك البؤر الاستيطانية، مؤكداً أن البناء في القدس الشرقية، يشكل خطراً كبيراً على إمكانية أن تكون القدس، عاصمة للدولتين، إذ أن أحداً من دول العالم، لا تعترف بأن القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، فالمستوطنون استقبلوا بغضب شديد قرار الاتحاد الأوروبي المذكور، وأعلن من يسمى برئيس مستوطنات الضفة الغربية "يوسي ديان"، أمام المراسلين الأجانب، التهمة الجاهزة دائماً بـ "اللاسامية" للاتحاد الأوروبي، متحدياً القرار بالاستمرار وتعزيز المناطق الصناعية وتطوير المستوطنات في الضفة الغربية. في مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي، وقعت مواجهات شديدة بين "نتنياهو"، والوزير "نفتالي بينت" رئيس حزب البيت اليهودي، على خلفية مهاجمة "بينت" لموظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، مقابل تأييد "نتنياهو" لهم، فاعتبر هجوم "بينت" موجهاً لـ "نتنياهو"، الذي يشغل منصب وزير الخارجية، فلجنة موظفي الخارجية، قررت مقاطعة "بينت"، الذي توجه لـ "نتنياهو": ما هي الخطوات التي اتخذتها تجاه قرار لجنة الموظفين؟ "نتنياهو": لم أسمع عن ذلك، "بينت": من المثير أنك باهتمامك السريع بسماعك لتصريحاتي، ولم تسمع تصريحات لجنة الخارجية؟ "نتنياهو" : قلت لك لم أسمع عن ذلك، "بينت": أنت تخشى من لجنة الموظفين في وزارة الخارجية، فالمسألة عدم مقدرتك على السيطرة، فيما إذا كان الموظفون هم الذين يديرونك، أم أنت تديرهم؟ إن تبادل هذه الاتهامات "يديعوت احرونوت 18/1/2016"، في مواجهة بين الشركاء في الائتلاف الحكومي، فإن "بينت" لا يفهم الفارق بين وزير في مجلس الوزراء، أو أنه أحد أعضاء المعارضة، فحكومة "نتنياهو" الثالثة انهارت في عام 2014، على خلفية النزاعات التي نشبت في أوساطها، على خلفية إدارة حرب الصخرة الصلبة، فيبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فـ "نتنياهو"، يشعر أن شعبيته في ارتفاع، وأنه لا يستطيع الاستمرار في رئاسة حكومة مناكفة وضيقة من حيث مؤيديها في الكنيست، و"بينت" يشعر أيضاً بمضاعفة شعبيته في صفوف اليمين الإسرائيلي، وأن "نتنياهو" في الانتخابات الأخيرة، انتزع أصوات مؤيديه وأضعفه، فيبدو أن الاثنين يعملان من أجل انتخابات مبكرة للكنيست، لتحسين قدرتهما البرلمانية، علماً أنه لم يمض على انتخابات الكنيست الأخيرة سوى سنة واحدة، وهذا يدل على التناقضات والتفكك في المجتمع الإسرائيلي، وفي الحلبة السياسية الإسرائيلية.