عندما يسقط عبد الستار - حسن سليم
لم يكن يحتاج عبد الستار قاسم أن يصعد هذا العلو الشاهق، ليرمي نفسه، فكان يكفيه الصراخ من حيث يقف، ويوفر على نفسه وجع الارتطام، وضجيجه. كان يستطيع أن ينتقد ويخالف الجميع أو بعضهم برأيه، دون أن يبحر في كل هذا العمق ليثبت قدرته على السباحة، وهو يعلم يقينا انه غير قادر، أو ان يحاول العوم عكس التيار والموج، فقط لاثبات انه يتحلى بالشجاعة التي حاول أن يظهرها، فيضرب رأسه بحجر، وظنه انه أصاب رأس الشرعية، وهو يدعو لقتلها. وكان مفيدا اكثر لو استخدم كل هذا الجهد، بسعي ومثابرة لوأد الانقسام، واستعادة وحدة الوطن ولحمته، وهو الحلم الذي طال انتظاره، ويتوق الكل ليراه واقعا. ولعل من المفيد قبل الرد على ما نطق به قاسم، بدعوته بتطبيق حكم الاعدام على الرئيس ابو مازن، رميا بالرصاص وفقا لقانون الثورة، التذكير بان السلطة واتفاق اوسلو المنشئ لها، التي قال فيها قاسم، اكثر مما قاله مالك في الخمر، كان قد لهث طويلا ليس للتربع على مقعد مرتفع فيها، بل لمجرد ذكر اسمه بانه احد المتنافسين على رئاستها، في العام 2005، لكنه انسحب قبل بدء السباق ليجر ذيول الخيبة خلفه، حتى دون مجرد ذكر اسمه في قائمة المتنافسين، بعد ان خذله من وعده بالدعم والتمويل. ان السلطة التي لهث قاسم للترشح لمنصب فيها، ومعلوم مسبقا ماهية الاتفاقات التي وقعت عليها، وما هي التزاماتها، ويطالب اليوم بحلها، يغيب عن وعيه، ان هذه السلطة، ليست شركة مساهمة محدودة يتم حلها باجتماع مجلس ادارتها، بل هي مكتسب وطني، وقامت نتاج تضحيات كبيرة معمدة بالدم، بغض النظر عن كل الملاحظات على أدائها، الواجبة التصحيح. ونعلم يقينا، ان حال السلطة، ليس بأفضل حال، ولكنه كان سيكون افضل، لو لم تتعرض للطعن من بعض ابناء جلدتها، ولو لم تعان الانقسام منذ عقد من الزمن، ولو لم يتم المتاجرة بورقتها من بعض الانظمة، التي وجدت من يعمل وكيلا لها من بين ابناء جلدتنا، ولو لم نفتح معارك غير محسوبة، ولو لم نكتفِ بالاستذة على ادائها، دون الافادة بما يجب ان يكون، حتى تكون افضل، ناهيكم عن سعي دولة الاحتلال الدائم لاضعافها والمس بهيبتها. ان كان يؤمن قاسم بان ابناء السلطة هم من البشر، القابل فعلهم بان يكون خطأ او صوابا، وهو من البشر، فعليه ألا يلبس وغيره عباءة النبوة، المعصومة عن الخطأ، وان لا يتجرأ بلبس تاج الالهة التي تعطي صكوك الغفران للعباد. لقد كان من المفيد لعبد الستار قاسم، ان يبقى متخفيا في عباءة العمل الأكاديمي، لما تعني تلك المهنة من قيم وقيمة تلقى الاحترام والتقدير بين كل مكونات المجتمع، وكان سيتميز أكثر، لو حافظ على صفة المحلل السياسي بصفته "اكاديمي" دون ان يغرق في لوثة التفكير بغير صواب، او دون ركل نفسه للسقوط من علو، طمعا في إحداث ضجيج نتيجة الارتطام. لقد جانب خطاب عبد الستار قاسم الصواب، وهو يفتي بغير علم، عندما فسر نصوص القانون الأساسي المتعلقة بفترة الولاية للرئيس، التي "حددها القانون بأربع سنوات، ويجوز له الترشح لولاية ثانية، لكن ولايته تبقى لحين تنظيم الانتخابات"، وهذا ما ينطبق أيضا على المجلس التشريعي، كما وضع نفسه في وضع لا يحسد عليه، وهو يفسر نصوص قانون الثورة، ليخرج بتكييف قانوني يخون الرئيس والاجهزة الامنية، ليكون تصريحه مدعاة لمقاضاته، وهو يحرض على القتل، ويزعزع الاستقرار. وان كان ادعاء عبد الستار قاسم، بحرصه على التداول الديمقراطي للسلطة صحيحا، فليعتبر نفسه مفوضا من الرئيس لإقناع اصدقائه في حركة حماس بالموافقة على إجراء الانتخابات، وحينها فقط يستطيع ان يحدد موقفه من الذي يتغول على السلطة ويغتصبها، ويفيده العودة للاطلاع على تجربة صديقه النائب حسن خريشة، الذي سبق وفوضه الرئيس أبو مازن بالتوسط لدى حماس بعد اجتماع المجلس المركزي في آذار الماضي، لأخذ موافقة خطية منهم، لكنه "عاد بخفي حنين"، بعد ان صدته الحركة بالرفض. ان الظهور غير المبرر لخطاب قاسم التوتيري، يتعارض مع الجهود التي تُبذل بين السلطة وفتح وحماس لطي صفحة الانقسام الأسود، بل يجوز تكييفه بانه جريمة يحاسب عليها القانون الذي يتغنى قاسم به، واوضحته المادة 130 من قانون العقوبات النافذ في الضفة ويحمل رقم 16 لسنة 1960، التي نصت على انه يعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة كل من يبث ما يضعف الشعور الوطني، وهو ما ينطبق على خطاب العبد للستار قاسم، هداه الله للرشد وصواب الرأي، من بعد ضلال.