من الألف إلى الياء.. إضراب الأسرى
دعاء زاهدة
هواء كاتم للحياة يجلل الغرفة، أيد معلقة بسلسلة حديدية وقدم نسيت كيف يكون الوقوف، دوار متواصل وإحساس عارم برغبتك بالهروب بأحلامك خارج أربع جدران يختبئ خلفها زرد وبندقية ومحارب.
لربما نسي الأسير الصحفي محمد القيق كيف يكون ضوء الشمس حيث يرقد الآن في مستشفى العفولة، بعد أن تم نقله من سجن الرملة الذي كان محتجزاً به بعد تدهور وضعه الصحي نتيجة إضرابه عن الطعام منذ 68 يوما.
لم يدرك إسلام نجل الصحفي القيق بعد أنه سيفقد حضن والده بذريعة القلم، وأن محكمة الاحتلال قدمت لائحة جوابية من ثمانين صفحة لمحكمة الاستئناف حيث تم الإبقاء على اعتقال القيق الإداري بالاستناد إلى ملفه الطبي، ويتم تزويد المحكمة كل يوم بملف جديد حول الوضع الطبي.
محمد الذي لم يعد يملك أي وسيلة لرفض اعتقاله الإداري بعد أن طوقت السلاسل صوته الإعلامي، قرر الإضراب عن الطعام كوسيلة من أساليب المقاومة السلمية من أجل تحقيق مطالبه.
يعود تاريخ الإضرابات في فلسطين إلى بداية الاحتلال، ومنذ عام 1967 خاضت الحركة الأسيرة إضرابات عن الطعام لتحسين مطالبها الحياتية، وليكون حصيلة معركة الأمعاء الخاوية العديد من الأسرى الشهداء الذين قضوا دفاعا عن عدالة مطالبهم.
خاض الأسرى على مر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إضرابات جماعية عديدة أهمها كان إضراب نفحة الشهير بتاريخ 14/7/1980، واستمر لمدة (32 يوما)، استشهد على أثره الأسرى راسم حلاوة، وعلي الجعفري، وأنيس دولة.
خاضت بعدها الحركة الأسيرة إضرابات كثيرة للحصول على القلم والورقة، وحتى إضراب الحصول على البطانيات والفرشات، وآخر الإضرابات التي حققت إنجازات في الحركة الأسيرة إضراب أيلول التاريخي عام 1992، وشارك فيه نحو سبعة آلاف أسير في كل السجون، واستمر (15 يوما) وتم طرح كل مطالب الحركة الأسيرة بشكل عام وكان القرار بإبقاء الإضراب أو انتهائه بيد قيادة التنظيم داخل قلعة جنيد آنذاك في نابلس، واعتبر هذا الإضراب من أنجح الإضرابات التي خاضها الأسرى من أجل الحصول على حقوقهم، حيث تم تحقيق الكثير من الإنجازات الضرورية، مثل إغلاق قسم العزل في سجن الرملة ووقف التفتيش العاري، وإعادة زيارات الأقسام، وزيادة وقت زيارة الأهل، والسماح بالزيارات الخاصة، وإدخال بلاطات الطبخ إلى غرف المعتقلات، وشراء المعلبات والمشروبات الغازية وتوسيع قائمة المشتريات في الكانتينة.
أمجد النجار مدير نادي الأسير في الخليل خاض إضراب أيلول كاملاً وهو لم يبلغ آنذاك (18 عاما)، وبين صفحات دفترة القديم، يخرج ورقة صفراء مدون عليها بالعربية وبترتيب واضح وعلى كلا الجانبين المطالب التي كان يفاوض عليها كل يوم مع الجانب الإسرائيلي، مطالب تحقق غالبها بإرادة الأسرى في السجون الذين أثبتوا حينها أن المقاومة السلمية أداة أساسية في نضالنا من أجل الحرية.
ويقول النجار: "لا أحد من الأسرى يخوض تجربة الإضراب تحديدا الإضراب الجماعي من دون الشحن، ليقوم الأسرى القدماء الذين خاضوا إضرابا سابقا بتقديم نشرات دورية وبشكل يومي للأسرى الجدد من أجل رفع معنوياتهم وإعطائهم أهم الإرشادات حول كيفية التعامل مع الإضراب من ألفه إلى يائه، وفي يوم الإضراب ليلا يقسم جميع الأسرى الذين قرروا خوض الإضراب قسم شرفي نضالي بعدم التراجع مهما كلفهم الأمر".
أمجد الذي ترعرع في أسرة اعتنقت الوطنية مذهبا لمقارعة الاحتلال، وصل إلى الزنازين شبلا، ورغم تفتحه لبعض المفاهيم الوطنية إلا أنه أبقى انتباهه إلى الأسرى القدامى الذين أرشدوه إلى ضرورة الانتباه إلى خطواته وسرعتها والتقيد بخطوات بطيئة كالسلحفاة لضمان سلامته، وليلزم بكأس الماء الوحيد والقليل من الملح يوميا لإبقائه على قيد الحياة.
وبعد انقسام الحركة الأسيرة على إثر الانقسام، وبعد أن أصبح القرار داخل السجون هو قرار تنظيمي مربوط بالقرار السياسي من خارج السجون وليس قرارا داخليا تغيرت معادلات الحركة الأسيرة الواحدة لتنقسم هي الأخرى على ذاتها.
وفي هذه الأثناء ظهرت حركة الجهاد الإسلامي في هذا الواقع بإضرابات فردية بدأها خضر عدنان رفضا للاعتقال الإداري حيث استمر إضرابه قرابة شهرين، سبقه بفترة بسيطة إضراب ميسرة أبو حمدية وعاطف وريدات ويوسف سكافي لمدة 40 يوما من أجل تقديم العلاج الطبي لهم.
والأسيرين ثائر حلاحلة وبلال ذياب خاضا إضرابا لمدة 76 يوما احتجاجا على اعتقالهم الإداري إلى أن تم الإفراج عنهم، أما أيمن الشراونة فخاض إضرابا بما مجموعة 260 يوما رفضا لإعادة اعتقاله بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال.
وللأسيرة الفلسطينية بصمتها الواضحة في معركة الكرامة والأمعاء الخاوية، لتخوض الأسيرة هناء شلبي إضراب عن الطعام رفضا لإعادة اعتقالها بعد الإفراج عنها ضمن صفقة شاليط لتعلن إضرابها عن الطعام، فيما أفرج عنها وتقرر إبعادها إلى غزة بعد 44 يوما من الإضراب.