اختراق عقل الشعب الفلسطيني - بكر أبو بكر
حينما تحتك العقول وينقدح زناد الفكر تكون النتيجة ليست بالضرورة كما تصورها الشخص مسبقا، أو حتى ليس كما أرادها فإن كان يحمل عقلا منفتحا hزداد انفتاحا وازدان بالتنوع، وإن كان يحمل عقلا منغلقا ألقى بالمفتاح بعيدا. عندما تكون النتيجة محصلة تلاقي وانقداح زناد، واحتكاك عقول فلا بد لمن ارتضn أن يكون في فضاء الحوار أن يخرج أكثر ادراكا أن المرء باخوانه، وأن الفكرتين أصوب والثلاث والعشر قد تنتج إضاءات لم يسبق أن تخيلها صاحب الفكرة الأولى. كيف لك أن تختار محيطك؟ هذا بإرادتك، فإن قضيت يومك بين أكوام من الترهات ستكون النتيجة مكب نفايات، أما عندما تقضيه في مجمع عقول تكون النتيجة نورا وانكشافا وإضاءة. ان الثراء الفكري نقيض الاستبداد لذا فالسياسي عامة، والفلسطيني تحديدا، متى ما افترض اكتمال نوره أو دوره، وأن الحق يمشي في ركابه فقد سقط في هوة التكبر أو الغرور أو الاستبداد، وليس لمفكر أو مثقف أو ناقد أن يتبعه الى سحيق الهوة. في لقاءاتنا السياسية والفكرية والثقافية المستمرة في أطر حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح ما تتميز به هذه الحركة الحضارية الثرية النقاشات، وضمن لقاءاتنا مع بعض المراكز السياسية والبحثية في فلسطين ومع الطلبة والشبيبة أيضا نعيش الذهن المتقد وتسرب النور الى الروح القلقة فتنتفض. ما سبق خلاصة سريعة لبعض تأملاتي في ما حصل خلال لقاءات منذ أيام مع الأخ جهاد حرب وكوادر جامعة بيرزيت، ومع كوادر هيئة أمانة سر اللجنة المركزية لحركة فتح، ومع الأخت دلال سلامة وياسر المصري وعمر أبوشرار، ومع د.سهاد زهران ود.مجدي عيسى ود.عبدالرحيم أبوجاموس وأخوة آخرين، ولقاءات مهمة أخرى في المجلس الثوري للحركة، وجلسات الثراء الفكري مع كوادرنا في فلسطين الداخل بدعوة من خلية التفكير ود.حسام زملط ومؤسسة (مدار)، وما حصل في عدد من جلسات الكوادر الأخرى التي منها عبر الفضاء مع د.عوض حجازي ود.حازم أبوشنب ود.عاطف أبوسيف ود.مازن صافي، وفي مركز (أوراد) الذي استندت لاستطلاعاته كثيرا في إطار التحليلات ومقالاتي، وما سأورد فكرة مهمة منه هنا أيضا. إن الثراء الفكري يُشحذ بالتنوع، والقدرة على التفهم لا يتم إلا باحتكاك الأفكار المختلفة، والتطور الذاتي لا يتحقق إلا حين أتقبل الآخر. في ذات الإطار الثري من الممكن الإشارة هنا لنموذج، عبر جملة من الحقائق باعتقادي واستنادا للاستطلاع الأخير لمركز (أوراد) حول ما أسمي (استطلاع لآراء قادة الرأي) الذي تلا استطلاع (الشباب الفلسطيني والهبة)، حيث من الممكن أن نقول تعليقا عليهما التالي. ان هناك تقارب في النظرة بين الاستطلاعين أي بين (النخب) و(الشباب) من حيث إن الهبة الشعبية #غضبة_القدس عفوية، وأن المشاركين فيها محدودي العدد والفئة... وغير ذلك. وان النخب لا تتحصل على رؤية واضحة، فهي من قراءة بالاستطلاع تفتقد الاجماع السياسي، وتتشتت حول ما كان يسمى الثوابت (إذ ان 34% يعارضون حل الدولتين مثلا). ثم هناك احباط لدى الفئتين (وربما يندرج هذا الاحباط على المجتمع) من التغيير. والمفاجأة المذهلة ان معدل تقبل فكر التطرف والإرهاب أي فكر (داعش) يصل كما فهمت لـ 62% فلسطينيا، وأن ليس كليا ما يدلل على كمون العقل السلفي الماضوي وإمكانية استثارته في أي وقت، نعم لسبب الممارسات الاحتلالية العنصرية يوميا من جهة، ولجهة الغلو في ذات التراث الذي لا يخضع للتنقية والغربلة والتجديد أيضا ما قد يؤشر على هشاشة نمتلكها تحتاج لما ابتدأنا به وهو أن نتحصل على الثراء العقلي واحتضان الاختلاف لنحقق التغيير. وبالحديث في العقل والتفكير ونحن والناس أظن أن الشعب الفلسطيني باعتقادي يتميز عموما بأنه يمتلك عقلا ناقدا متميزا، فقدرته على التشخيص وتلمس مواضع الخلل وإبرازها كبيرة، وهو عقل رفضوي لا يقبل بالقليل ولا يرى النجاحات ليحتفي بها فهو يريد المزيد ولا يشبع، ولذا فهو يمثل شخصية مناضلة لا تفتأ تصمد وتتحدى ترفض الاستجداء وفرض الواقع السلبي. مع استمرار الخلاف السياسي العميق فلسطينيا فإن الخوف أن تعاني هذه "الشخصية الجمعية للشعب" من مخاطر الاختراق الفكري، ومن مخاطر التشتت والإحباط والانتكاس، مخاطر انفجار الفكر الماضوي، الذي يستدعي العنف "المقدس" بعيدا عن البعد الحضاري العربي والوطني والاسلامي لا سيما في ظل سياسيين يقتاتون على ذلك، والخوف أيضا من مخاطر فقدان الرؤية السلمية وأيضا من التحلل التدريجي من لغة الحوار ومن الالتزام والارتباط المنظم في الاطار الوطني كمركب الزامي للتحرير.