لاجئون من غزة في الأردن: تزكرونا
رحمة حجة: تفّوق إسماعيل في الجامعة وحصوله على منحة دراسية في واشنطن.. محاربٌ قديم يروي خروج الفدائيين الفلسطينيين من لبنان ويقرأ بالحرف خطاب الرحيل لياسر عرفات آنذاك.. شابة تعشق المخيّم وتعمل من أجله ولأجل الخروج منه أيضًا.. شابة لا تعرف عن المخيم سوى الأحاديث إذ تربّت في كنف عائلة ميسورة الحال وتفتخر بوالدها الذي يحكي قصّته أيضًا منذ بدأ من صفر المال إلى الثروة والنجاح..
من هؤلاء؟ ببساطة، هم أبطال حكاية لجوء الغزيين إلى المملكة الأردنية، حكايتهم هم نفسهم، رووها بألسنتهم، ولغتهم الخاصّة، بين العاميّة والفصحى، بشاعريتها وشعريّتها، بتناغمها ونشازها، في الفيلم الوثائقي الدرامي "تزكرونا" للشابة الفلسطينية داليا أبو زيد.
تدخل كاميرا المخرجة إلى مخيم جرش (غزة) للاجئين الفلسطينيين من غزة، أزقّته، شوارعه الضيّقة، ودكاكينه الصغيرة، وبيوته المتهالك بعضها، وتأخذ صورًا من الأعلى، تحتار أمامها هل هو واسعٌ وكبيرٌ إلى هذا الحد أم بيوتها لشدة تشابهها وتلاصقها ولونها الفاتح منحته هذا الاتساع؟ لتجيبك أبو زيد أثناء سردها بعض المعلومات عنه "وفق الإحصاءات الرسمية عدد سكانه 24 ألف نسمة بينما تؤكد مصادر أخرى أن الرقم الحقيقي قد يصل الضعف"، وتبلغ مساحة المخيم 0.75 كيلومتر مربع.
ووفق موقع وكالة الإغاثة وغوث اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا): "يتمتع كافة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن بالمواطنة الأردنية الكاملة باستثناء حوالي 140 ألف لاجئ أصلهم من قطاع غزة الذي كان حتى عام 1967 يتبع للإدارة المصرية، وهم يحملون جوازات سفر أردنية مؤقتة لا تخولهم حق المواطنة الكاملة كحق التصويت وحق التوظيف في الدوائر الحكومية".
التصوير والإخراج والتقنيات المستخدمة لإنتاج فيلم "تزكرونا" هي أكثر ما يلفت انتباه المشاهد، أقصد الذي حضر عرضه، مساء الأحد، في قاعة الجليل بمتحف محمود درويش، وربما هو ما اتفق عليه معظم من قابلناهم وسمعناهم حين انتهاء الفيلم.
تنقلّت الشابة أبو زيد في تصوير مشاهد اليفلم بذكاء بين المتناقضات: الضوء والعتمة، الطفولة والشباب والتقدم في السن، الخطوات السريعة والبطيئة، اللقطات البعيدة ((long والقريبة (Close up) والقريبة جدًا (Extreme close up)، الماضي والحاضر، الخروج من لحظة إلى أخرى دون أن تتغير ملامح الوجه.
وبالطبع هذا التنقل خدم النص المروي على ألسنة أبطال الفيلم، كما حدث العكس.
وفي صفحة الفيسبوك الخاصة بالفيلم، كتبت مخرجته أبو زيد في نص يعرّف بها "... لكن الأمور تعقدت بالنسبة لي، أبي هو أسطورتي، أحسن في تعليمي، حتى في الأوقات التي كان يحس فيها بالضياع، لم يفشل قط بإحساسي بالانتماء. لكن اليوم، يوم آخر؛ اليوم هو اليوم الذي أدركت فيه أن إحساسي بالانتماء هو لأبي و ليس لوطني. فلنواجه الأمر: أحب الأردن لكنها لا تحبني".
وتضيف: "أين سأكون بعد سنة من الآن؟ في شرفة بيتي في بلد ما، أدخن الأرجيلة، و أحاول أن أجد لماذا ضعت؟ أين هو مكاني؟"
يقول مدير عام المتحف سامح خضر لـ"الحياة الجديدة" عن عرض الفيلم في رام الله، وهو الثاني بعد عرضٍ أول له في القدس: "الفيلم من إخراج لاجئة فلسطينية من لاجئي غزة في الأردن، وعرضه يأتي تحقيقًا لسياسة المتحف في الانفتاح على المشهد الثقافي الفلسطيني داخل وخارج حدود فلسطين".
ويعد فيلم "تزكرونا" بطاقة تعريف للمخرجة أبو زيد، وشهادة ميلاد لها هنا في فلسطين، وفق خضر الذي تابع قوله: "تجربة مثل كل التجارب التي ولدت في المنفى بحاجة للانتباه وتسليط الضوء عليها ونقاشها وهذا أدنى واجب نقدمه لها".
وعن رأيه الشخصي في الفيلم، قال خضر إنه يتمتع بمستوى ممتاز من حيث التقنيات والبناء الدرامي، مضيفًا "وهو يعكس معاناة الفلسطينيين المتواصلة بين أماكن اللجوء خارج الوطن، وكغيره من الأعمال الفنية والأدبية والوثائقية ركز على قضايا اللاجئين وهمومهم، ويطرح مادة جيدة جدًا للتداول وخلق حالة من الجدل حولها".
ومن الجمهور في المتحف، التقينا الشاب أنس الأسطى، الذي قال إن الفيلم "عرفه بأن اللاجئين من غزة في الأردن يعيشون أفضل حالًا من اللاجئين في لبنان من حيث الفرص والخدمات التي توفرها الحكومة الأردنية"، مضيفًا "التصوير رائع لكن بعض المشاهد مكررة".
بينما تقول الشابة ريم دروزة، التي عبرت بشكل صريح عن انزعاجها من مضمون الفيلم بالقول: "لم يعجبني تداخل اللغة الفصحى باللهجة العاميّة، كما أن اللغة في الأساس ضعيفة وفيها تكلّف والصورة أيضًا ضعيفة جدًا"، وأضافت لـ"الحياة الجديدة" "هناك أكثر من قضية يمكننا التسليط عليها في المخيم.. جميع المخيمات تعيش نفس المأساة، وأنا المفترض أن أخرج من هذا الفيلم باكية، لكنني لم أشعر بمحتواه فهو غير صادق ولا يعبر عن حقيقة الأوضاع هناك".
وعلا صوت النقاش خارج قاعة العرض الذي دام لمدة 79 دقيقة، بين من يقول "لو أن المخرجة اكتفت بظهورها الأخير لإنهاء الفيلم" ومن رأى أن مقطع الحديث عن والدها "لا داعٍ له" كما قال آخر "يجب أن تعكس الشخصية المعاناة وليس البرجوازية".
في المقابل، كنتُ أتذكر مع "تزكرونا" صوت أغاني الشبان والشابات المتمسكين بالهوية الفلسطينية، فيما هم عائدون من مخيم جرش نهاية عام 2010، حين زرتُ وإياهم أول مكتبة لمبادرة "كتابي كتابك"، التي نجحت بشكل فائق هناك بتعاون الأهالي والأطفال المقبلين على التعلّم والمعرفة وتطوير مهاراتهم للأفضل، تمامًا كما رأيت في الشخصيات الخائفة والطموحة في آن واحد، والقلقة من الماضي والمستقبل لكنها في الحاضر تحاول أن تصمد، عبر هذا الفيلم.
ومن العبارات التي قالها أبطال الحكاية: "رغم أنني لا أسيطر على الكثير إلا أن جزءًا تحت سيطرتي الكاملة وعليّ أن أتحمّل مسؤوليته.. أنا لاجئ من غزة في الأردن لكني لم أقبل أن أبقى هكذا فقط فطموحي أكبر.. حين عدنا بعد عام 82 شعرنا أننا غرباء في وطننا.. مخيم غزة هو الجريمة والعقاب هو الوطن وبعض الوطن..".