متاهة الاسئلة الخطرة- عمر حلمي الغول
دائرة الاجتهاد واسعة، ولم تعد محصورة بسقف ومحددات البرنامج السياسي الوطني. او لنقل ان مجمل الاجتهادات ضاقت او اتسعت، فإنها تهدف إلى وضع القدم الوطنية على الطريق المفضي لتحقيق الاهداف الوطنية. غير ان هناك فرقاً كبيراً بين اجتهاد واجتهاد، فبعضها بقدر ما يكسر المألوف في البحث والاستقصاء عن منافذ الخروج من نفق الاستعصاء الاسرائيلي، بقدر ما يسقط بعضها في متاهة الفهلوة والتذاكي، الذي يحمل في طياته نقيض ما يتوخاه من حيث يدري او لا يدري المجتهد او الباحث.
ما تقدم عميق الصلة بما حمله مقال الصديق عماد شقور في القدس العربي بعنوان "جمهورية إسرائيل العربية المتحدة"، المنشور امس الاول، وحاول الكاتب تبسيط الاعتراف بـ"يهودية" إسرائيل او تزيينها للقيادة الفلسطينية. لا سيما انه يخلص بعد إدراجه كم من الاسئلة الملتبسة إلى الاتي: "إن كل "طوشة" يهودية دولة إسرائيل، هي مجرد فذلكات ومماحكات عبثية هزلية مضحكة"؟! هل فعلا طلب او شرط نتنياهو مجرد "فذلكة ومماحكة عبثية وهزلية"؟ ام انه احد اهداف الحركة الصهيونية ودولتها الاستعمارية إسرائيل؟ أليس الهدف الاساسي تصفية وتبديد الشعب العربي الفلسطيني؟ او لم ترفع الصهيونية شعارها الناظم لمشروعها الكولونيالي "شعب بلا ارض، لارض بلا شعب"؟ او لم تطالب كل حكومات إسرائيل المتعاقبة على الاقل منذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو حتى الان بشطب قضية حق العودة؟ او لم يناد قادة اليمين واليمين المتطرف بالتخلص من الوجود الفلسطيني العربي داخل إسرائيل او على الاقل تقليص عددهم إلى الحد الاقصى؟ وإذا كان الامر كما يقول الصديق عماد هزليا، لماذا تتمسك به حتى الان؟ وهل يحتمل الصراع الدائر بين الفلسطينيين والاسرائيليين الصهاينة الانزلاق نحو الهزل؟
واذا توقف المرء امام جملة الاسئلة، التي حاول الكاتب، اعتبارها رد مشروع للقيادة على طلب نتنياهو، يلحظ انها تتناقض مع الغاية، التي ارادها، وهي إدارة الحوار، وهزيمة نتنياهو في مربعه (مربع السؤال اليهودي). أضف إلى انه شاء ان تتساوق القيادة مع عملية التسويف والمماطلة، التي تريدها القيادة الاسرائيلية، حتى تمضي في مخطط التصفية للقضية الفلسطينية. ومما جاء فيها: "من هو هذا "العبقري"، الذي جاء إلى القيادة الفلسطينية "فارعا دارعا"، أن "انقذونا من الطرد والتشرد واللجوء"؟ وهل يجب ان يأتي احد ما "عبقري" او "غبي" ليقول "انقذونا"؟ ولماذا لا ندرأ خطرا داهما قبل وقوعه؟ وهل نحتاج إلى الدخول في متاهة نتنياهو اولا قبل ان نجيب على خطر شرطه؟ ويتابع ابو خلود قائلا: لماذا لا يجب، ويتحتم، ولا بد.. من جواب فوري لكل سؤال ومطلب اسرائيلي؟ من قال ذلك؟ وكيف؟ كل هذه السنوات من المفاوضات او عبث المفاوضات كان الفلسطيني "ملزم" بالجواب الفوري؟ ألا يتناقض ذلك مع الوقائع المعاشة، التي يعرفها الكاتب؟ ويضيف: ولماذا لا يجد الفلسطيني أمامه إلا واحدة من كلمتين: اقبل أو ارفض؟ هل هذا صحيح؟ وبالوصول إلى المتاهة الخطرة من الاسئلة، التي يريد توجيهها لنتنياهو، لـ"تعجيزه" و"إلقاء الكرة في مرماه" جاء في المقالة: ماذا تعني يهودية إسرائيل؟. وكيف سينعكس قبولنا الاستجابة لطلبكم على الفلسطينيين في إسرائيل؟. وهل بالامكان الحصول على التزام خطي منكم ملزم لحكومات إسرائيل مستقبليا بما ورد في اجاباتكم على الاسئلة اعلاه؟. ما هو تفسير محكمة العدل العليا في إسرائيل للاعتراف بـ"يهودية" دولة إسرائيل؟ ساقفز عن بعض الاسئلة التبسيطية، لاصل لجوهر المقالة: ماذا تعرضون علينا مقابل الاستجابة لطلبكم؟ ماذا تعني "اليهودية" الواردة في شرطكم؟ هل اليهودية الارثوذكسية المتشددة (الحريديم)؟. ام المعتدلة؟ ام العلمانية؟. وماذا تعني "اليهودية"، التي تطالبوننا بقبولها؟ هل هي دين وعقيدة وطقوس، ام هي عرق؟
الاسئلة الواردة اعلاه، تحمل في طياتها الدعوة لقبول "يهودية" الدولة بغض النظر عما اراده الكاتب. لان مجرد طرح السؤال عن الثمن مقابل الاعتراف بذلك، يعني الاعتراف. وطرح الاسئلة عن نوع وشكل اليهودية وسؤال محكمة العدل العليا ومحكمة العدل الدولية والامم المتحدة ولجنة المتابعة العربية والقائمة المشتركة، ليست سوى استمراء ملهاة الاسئلة العبثية والخطرة، لان ما جاء ليس مهزلة وعبثا، ولا هو فهلوة، بل تبسيط لتمرير الاخطر. واتمنى على صديقي عماد ان يراجع اسئلته جيدا، حتى لا يذهب بعيدا في هذا المنحى غير الايجابي.
oalghoul@gmail.com