الجدران العنصرية لا تحمي إسرائيل- عمر حلمي الغول
في حقب التاريخ القديمة كانت الدول تقيم اسوارا حول مدنها المركزية اولا لمنع الاعداء من اقتحامها؛ ثانيا للتصدي لهم من الابراج المقامة على الاسوار العالية؛ ثالثا لان اسلحة الازمان الغابرة، كانت تقليدية وبسيطة ولا تقوى على اختراق تلك الاسوار.
لذا لجأت القوى المهاجمة إما للحيلة، كما جاء في الاساطير الاغريقية، عندما قام الاسبارطيون بالاحتيال على قادة مدينة طروادة، عبر وسيط، اقنعهم بأن زعماء إسبرطة يريدون السلام، لذا احضروا لهم هدية عبارة عن حصان خشبي ضخم، هو الاكبر من نوعه في التاريخ: طوله 108 أمتار ووزنه ثلاثة اطنان وبداخله قوات الجيش الاسبرطي، فاقنعهم بفتح ابواب المدينة وقبول الهدية، وتم إدخال حصان طروادة الخشبي، وفي الليل انقض الجنود على اهل مدينة طروادة ونهبوها. وهناك حصان زقاونة لدى شعبي الرومان والجرمان.. إلخ من الحيل. وان لم تنجح الحيلة كانت عمليات فرض الحصار لارغام اهل المدن على الاستسلام.
غير ان الدول في الزمن الحديث لم تعد تلجأ لاساليب الحماية البسيطة والساذجة بمقاييس العصر، لانها لم تعد تفي بالاهداف القومية، لا سيما وان الاسلحة الحديثة: الجوية والبرية المدفعية والصاروخية والبحرية، قادرة على تدمير الاسوار والحصون والجدران، ومدياتها بعيدة المدى وتصل الى قلب المدن من بعيد عشرات ومئات الكيلومترات؛ كما ان القوانين الاممية شكلت عاملا مانعا للحروب بالشاكلة القديمة؛ وبالتالي من يتعامل مع تلك الاساليب الدفاعية، يكون مجنونا او ساذجا او عنصريا بامتياز، ويخشى من نفسه، مع انه يعلم، ان الجدران الانعزالية لا تعلي من شأن الدول، بل تهبط بها.
النموذج الاخير العنصري، ينطبق على دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. الفاقدة الثقة بالذات وبالآخر (الحليف بما في ذلك الولايات المتحدة واوروبا، التي اسهمت في نشوئها) ولا تأمن على غدِها، وقبل كل شيء تخشى من أعدائها في الحرب والسلم. ويعود ذلك للاسباب التالية: اولا لقناعة قياداتها، ان دولتهم قامت على ركائز استعمارية؛ ثانيا كونها تعيش وسط محيط عربي لا صلة لها من قريب او بعيد به، لا تاريخيا ولا جغرافيا ولا ثقافيا ولا عرقيا؛ ثالثا الرعب المتأصل في اللاوعي الصهيوني الاشكنازي واليهودي عموما بكل تكويناته وتصنيفاته؛ رابعا لكل ذلك دولة إسرائيل، غير قادرة على حمل استحقاقات السلام، رغم انه يصب في مصلحتها الاستراتيجية.
لذا لجأت دولة العدوان والاحتلال الاسرائيلية منذ تسعينيات القرن الماضي لسياسة بناء جدران الفصل العنصري للحؤول دون دخول المناضلين الفلسطينيين الى مدنها، ولفصل دولتها عن المدن الفلسطينية. واستطاب لها الخيار، فوسعت من عمليات البناء لتلك الجدران على الحدود السورية في الجولان، وعلى الحدود مع مصر، والان يريد بنائها على الحدود الشرقية مع الاردن.
وتعميقا لهذا الخيار العنصري، أعلن بنيامين نتنياهو امس الاول اثناء جولة له على الحدود مع الاردن، عن اهمية بناء المزيد من الجدران (الانعزالية) الامنية لتعزيز أمن إسرائيل، واصفا إياها "بالفيلا"، ووصف اعداءها "بالحيوانات المفترسة"؟! وهو ما يكشف مجددا عن إفلاس وعقم سياسة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. وإماطة اللثام عن عورات الفكر السياسي الاستعماري الاسرائيلي الحيواني الارهابي، الذي لم يعد يملك سوى اللجوء إلى الاساليب القهرية، التي لا تؤمن اي مستوى من الامن لدولة إسرائيل المارقة، ولعل الهبة الشعبية الفلسطينية منذ شهور اربعة خلت، فضحت كليا اسوار الامن العنصري الهزيلة والخاوية.
وإذا كانت إسرائيل فعلا "فيلا"، فالفلسطينيون العرب واشقاؤهم في الدول العربية، هم اهل المدنية، وحماة الحضارة، وهو ومن هم على شاكلته من الصهاينة اعداء السلام، هم الحيوانات المفترسة. ولو بنى حول كل بيت جدار فصل عنصري، لن تحميه ابدا من إرادة الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير الفلسطينية. ولا ملاذ له سوى بناء جسور السلام، إن شاء ان تعيش دولته في بحيرة المنطقة العربية.
oalghoul@gmail.com