لماذا نريد مؤتمرا دوليا وترفضه اسرائيل واميركا؟- باسم برهوم
اهتمام القيادة الفلسطينية وحديثها المتزايد عن ضرورة عقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية وإيجاد حل لها، له ما يبرره. في هذا الاطار نلاحظ ان الولايات المتحدة الاميركية، تخلت منذ أكثر من عامين عن دورها كراعٍ لعملية السلام دون أن تتخلى عن احتكار الدور لنفسها، فالصراع الفلسطيني الاسرائيلي لم يعد ضمن سُلم اهتمامات ادارة أوباما. هذا الانكفاء الاميركي السلبي أثر بدوره على دور اللجنة الرباعية التي تضم الى جانب الولايات المتحدة كلاً من روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهذه اللجنة، التي كانت تتحرك على وقع وايقاع الراعي الأميركي، اختارت ان تُدير الصراع لا أن تعمل على ايجاد حل له، واكتفت بدور اقرب لأن يكون بروتوكولياً واقتصادياً يحدده الراعي الاميركي وبشكل محدود جداً.
ومما جعل القيادة الفلسطينية أكثر تمسكاً بفكرة المؤتمر الدولي في هذه المرحلة، نجاح مجموعة (الخمسة زائد واحد) في ايجاد حل لمُشكلة الملف النووي الإيراني، بالإضافة الى مجموعات العمل الدولية بخصوص الأزمات السورية واليمنية وغيرها.
وتاريخياً، لا بد من التذكير أن المؤتمر الدولي حول الشرق الأوسط طرحت فكرة عقده للمرة الأولى في قرار المجلس الدولي رقم 338، الذي صدر خلال حرب تشرين الأول 1973. في حينه قفزت الولايات المتحدة عن فكرة المؤتمر الدولي وخطفت عملية التفاوض العربية الاسرائيلية، عبر وزير الخارجية هنري كيسنجر باتجاه الحلول المنفردة بين كل دولة عربية واسرائيل على حدة مع الاصرار على استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية، بناءً على الوعد الذي قطعه هو شخصياً لإسرائيل في حينه.
بقيت فكرة عقد المؤتمر الدولي حول الشرق الاوسط بين أخذ ورد، ومطلباً فلسطينياً سوفياتياً طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات، إلى ان عُقد مؤتمر مدريد في تشرين الاول عام 1991 بعد هزيمة العراق في حرب الخليج التي قادتها واشنطن. انعقاد مؤتمر مدريد كان تتويجا لقيادة الولايات المتحدة الأميركية للنظام الدولي الجديد، بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، ولذلك جاء لخدمة المصالح الأميركية أكثر من مؤتمر لإيجاد حلول لمشاكل الشرق الأوسط والدليل ان المؤتمر لم يُقدم في نهاية الأمر أي حل لهذه المشاكل لكنه نصب واشنطن زعيمة للعالم.
والسؤال الآن لماذا نريد نحن المؤتمر الدولي في حين ترفضه اسرائيل واميركا؟
منظمة التحرير تاريخياً كانت تفصل الذهاب للمفاوضات عبر مؤتمر دولي، لأن من شأن هذا المؤتمر أن يُنهي التفرد الأميركي بالحل، فما يهم الولايات المتحدة في نهاية الأمر هو حماية مصالحها وحماية أمن اسرائيل وتغطية جرائمها في المحافل الدولية. والمنظمة والقيادة الفلسطينية تريد المؤتمر الدولي لان حضور دول كبرى اخرى وحضور عربي فلسطيني سيُغير قواعد اللعبة ويجعل الحلول أخرى لقرارات الشرعية الدولية ذات الشأن، كما سيدعم هذا الحضور الدولي الواسع مرجعيات أكثر عدلاُ تنسجم أكثر مع القانون الدولي. فالجانب الفلسطيني يُصر على أن تكون مرجعية المؤتمر الدولي هي قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، التي تؤكد جميعها على انهاء الاحتلال الاسرائيلي وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين استناداً الى حق العودة المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة 194. فالقيادة الفلسطينية تدرك أنه مع مثل هذه المرجعيات يمكن فقط ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
بالمقابل لماذا ترفض اسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية عقد مؤتمر دولي فالأولى ترغب في اطالة عُمر احتلالها والاستمرار في سياسة التوسع والاستيطان لفرض واقع بالقوة على الأرض ليُصبح من الصعب تجاوزه ويمنع إقامة دولة فلسطينية، كما ترفض اسرائيل فكرة المؤتمر لأنه قد يجبرها على الالتزام بالقانون الدولي والشرعية الدولية، وهي، أي اسرائيل، تريد أن تُبقي نفسها دولة فوق القانون والمُحاسبة، وتدرك أن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية يعني نهاية مشروعها التوسعي، والأهم من ذلك فإن اسرائيل تريد الاستفراد بالشعب الفلسطيني وبالمفاوضات معه لتفرض عليه حلول وتسويات تتلاءم ومصالحها، وهي أبعد ما تكون عن طموحات وأهداف الشعب الفلسطيني.
اما الولايات المتحدة الأميركية، فإن من أهم ركائز استراتيجيتها في الشرق الأوسط هو حماية اسرائيل واطلاق يدها لتأكيد وجودها الذي يخدم بالأساس المصالح الغربية عموماً والأميركية خصوصاً. كما أن الولايات المتحدة، المهيمنة على الشرق الأوسط ومقدراته لا تُريد اشراك أي طرف دولي معها بإدارة شؤون هذه المنظمة الغنية بالنفط.
وبغض النظر عن فرص انعقاد المؤتمر الدولي، التي تبدو ضئيلة في الوقت الراهن، بسبب الرفض الاسرائيلي- الاميركي له، وبسبب عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يكون فيها بالعادة تأثير اللوبي الاسرائيلي قوياً، وتكون فيها المزايدات بين المُرشحين في دعم اسرائيل على أشدها، وبغض النظر عن ذلك كله فالوقائع التي تجري على أرض الشرق الأوسط، وبالتحديد الأزمة السورية قد تفرض على الجميع عقد مثل هذا المؤتمر، فتطورات هذه الأزمة تقف اليوم على مفترق طرق، فإما ان يسارع العالم الى لجم نارها المتسعة والمنتشرة، من خلال معالجة كل قضايا المنطقة عبر مؤتمر دولي وبحضور كل الأطراف أو أن تصل هذه النار حروباً وارهاباً على عواصم القرار الدولي.