نتنياهو والمبادرة الفرنسية- عمر حلمي الغول
غادر لوران فابيوس يوم الخميس قبل الماضي موقعه كوزير للخارجية الفرنسية، وحل مكانه رئيس الحكومة السابق، جون مارك إيرو. ولكن رحيل رأس الديبلوماسية لاعوام اربعة خلت، لم يلغ التوجه الفرنسي بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام للمسألة الفلسطينية الاسرائيلية، وإحياء خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
لذا دشن الوزير إيرو مهمته رسميا بتسليم مشروع مبادرة السلام للحكومة الاسرائيلية، عندما قام السفير الفرنسي بتسليمها لمدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية. ولم ينتظر بنيامين نتنياهو كثيرا للرد عليها، فبادر في المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، لاعلان استغرابه من طرحها في هذا الوقت قبل معرفة "طبيعة" الدولة الفلسطينية، التي ستقام، أم ان فرنسا وفق تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي "تريد إضافة دولة إسلامية متطرفة جديدة" في المنطقة؟ وتساءل نتنياهو: لماذا تستبق فرنسا الامور، وتحدد من الان إن لم ينجح المؤتمر الدولي المقترح ستعترف بالدولة الفلسطينية؟
رئيس حكومة إئتلاف اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، بتصريحه الديماغوجي، يعكس الرؤية الاسرائيلية، التي ترفض من حيث المبدأ خيار التسوية السياسية. ولا يريد واركان حكومته رؤية اي بارقة أمل لانبعاث الدولة الفلسطينية. وكل ما تعمل من أجله (إسرائيل المارقة) كما صرح وزير التعليم، نفتالي بينيت، هو "حكم ذاتي في المناطق AوB، التي لا تزيد مساحتها، هذا إن بقيت كما هي محددة في الخرائط والاتفاقيات، عن 38% من مساحة الاراضي المحتلة عام 1967، التي تعادل 22% من فلسطين التاريخية. هذا إن لم تحل كارثة الترانسفير للفلسطينيين".
والحديث عن "إضافة دولة متشددة" لدول المنطقة، نوع من التحريض على القيادة والشعب الفلسطيني. لان النموذج، الذي مثلته السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1994، كان نموذجا ديمقراطيا بكل معايير الكلمة. وما حصل في محافظات الجنوب (قطاع غزة) 2007 تم بدعم ومساندة الحكومة الاسرائيلية القائمة آنذاك، لانها شكلت غطاء وداعما للانقلاب الحمساوي على الشرعية لاسباب إستراتيجية إسرائيلية. أضف إلى ان نتنياهو، لا يحق له ان يتحدث عن نماذج الدول المتطرفة ودولته موجودة، لانها دولة قامت على ركائز استعمارية، وما زالت تمارس الاستعمار التقليدي على الارض الفلسطينية، وتنتهك المواثيق والقوانين والقرارات الاممية، وترفض من حيث المبدأ دفع استحقاقات عملية السلام. وبالتالي لا يحق لرئيس حكومة قطعان المستعمرين الحديث عن الدول المتشددة، لانها (إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة ومن لف لفها من دول الاقليم) هي التي فتحت لتلك الجماعات المتشددة بالتوالد والتكاثر كالفطر في المشهد العربي لتحقيق اهدافها في إعادة تقسيم وتمزيق دول وشعوب الامة العربية إلى دويلات دينية وطائفية ومذهبية واثنية.
اما مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فقد تأخرت كثيرا وكثيرا جدا، ولا يجوز لفرنسا ربط مسألة الاعتراف بنجاح او فشل المؤتمر الدولي، بل يفترض ان يكون الاعتراف سابقا للمؤتمر، ويمثل المدخل الطبيعي لانعقاده. وعلى فرنسا مسؤولية في استقطاب العديد من دول الاتحاد الاوروبي لدفعها للاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. والتصدي للمنطق الاسرائيلي المعادي للسلام، ولكل من يقف خلفها ويدعمها، ويغطي عوراتها وارهابها المنظم.
من المبكر الاعتقاد ان مشروع الاقتراح الفرنسي سيرى النور، لان إسرائيل وحلفاءها في اوروبا واميركا والاقليم، سيضعون العراقيل والعقبات في وجه المشروع. غير ان ذلك لا يعني الاستسلام لمشيئة الدولة الخارجة على القانون اسرائيل، بل يفترض حشد الجهود وتكثيفها لانجاح المبادرة. ولكن لدفع الامور للامام تملي الضرورة الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية فورا.
oalghoul@gmail.com