"ما بين النفوذ السياسي والمشروع التحرري"بقلم الأسير - ظافر الريماوي
من البديهي القول بأن ما يجري في المنطقة العربية يأتي في إطار الاستهداف الغربي،باعتباره الوصفة السحرية لتشظي المنطقة ومميزاتها،ولتحقيق المصالح الاستراتيجية الأمريكية،فها هي أمريكا تغذي الأطراف المتناحرة بالسلاح،تأجيجاً لهذا الصراع وبالتالي تحقيقاً لتلك المصالح،بحيث باتت تتحكم وتوظف كل ما يجري في البلدان العربية وصولاً إلى التبعية العمياء لها....فإذا ما أصخنا السمع لصوت العقل،نجد بأن هذا الواقع لم ينشأ من فراغ،بل نجد الإجابة سريعاً في العودة المتفحصة للصراعات المذهبية في أوروبا تحديداً في القرون الوسطى،والتي راح ضحيتها أكثر من ستة ملايين شخص،بحيث بات يدرك الغرب خطورة الطائفية،فهي بالتجربة أمر كارثي،تهدد النسيج الاجتماعي وتشرذم الدول وتدمر مقدراتها،بل وتدفعها في إطار البحث عن الحماية إلى مزيد من التبعية،خاصة الدول النفطية منها،لذا بدأ الغرب مبكراً في تأجيج هذا الصراع الطائفي وتوظيفه في إطار رؤيته الاستراتيجية،فكانت إيران وأدواتها من جهة مقابل السعودية وحلفائها من جهة ثانية،
أما في حال عدم مقدرته على إشعال فتيل الصراع الطائفي فتجده يعمل على ذلك عبر أطراف أخرى،لتتصارع فيما بينها كما هو الحال في المغرب العربي،وتحديداً ليبيا،بحكم عدم وجود شيعة هناك. إذا كان الأمر كذلك،فلماذا لم يكن هناك في السابق وجود للعداء السني الشيعي،سواءً قبل الثورة الإيرانية أو بعدها،فدولة إيران قبل الثورة"إيران الشاه"كانت الدولة الإسلامية الوحيدة بعلاقة مع اسرائيل،فضلاً عن دورها آنذاك،والمتمثل بشرطي الخليج إلى جانب سعيها الدائم و المتواصل لتعزيز دورها الإقليمي،ناهيك عن احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث.
أما بعد الثورة،فقد كانت إيران وعلى مدار ثمانية أعوام،على حرب مع العراق بما يمثل في إطار المعادلة العربية،وقد لعبت أمريكا بالطرفين آنذاك،تحقيقاً لمصالحها،لكن كانت إيران ومازالت أذكى من أي طرف عربي في التعاطي مع الدور الأمريكي في إطار هذا الصراع،ولا ننسى هنا أيضاً ما كانته إيران من حليف استراتيجي لامريكا سواءً بغزوها للعراق أو لأفغانستان،مع هذا،لم يكن ذلك سبباً في توتر العلاقة ما بين العرب وإيران وتحديداً السعودية،فلماذا الآن بتنا نشهد بروز واحتدام هذا الصراع الطائفي الذي لم نكن نلحظه سابقاً..؟؟!
بدايةً قد تنقسم الآراء حول ذلك،فتجد البعض يعزو السبب أن لإيران مشروع تحرري تجاه التبعية للغرب والتهديد الإسرائيلي في المنطقة،مثلما قد يعزوه البعض الآخر بالمقابل لسبب التمدد والنفوذ الإيراني ببعده الطائفي،لذا بعيداً عن تقديم الإجابات المعلبة والإسقاط السلبي للأشياء،نورد وبشكل موضوعي وجهتي النظر،تاركين للقارئ الإجابة وبالتالي فرصة الحكم على الأمور.
ومثلما لم يعد خافياً بأن الصراع ما بين السعودية وإيران،بالرغم من تدخل الأولى مباشرةً في اليمن والثانية في سوريا هي حرب بالوكالة،فقد بات واضحاً أيضاً بأن لهذا الصراع الطائفي القائم فيما بينهما أبعاد سياسية واقتصادية بالأساس،أي خلافاً لما يصوره البعض بالخلاف الوجودي،لأن الصراع الوجودي هو سعي كل طرف لنفي الآخر وهذا ليس بالأمر القائم ولا الممكن أيضاً،فضلاً عن أنه يأتي ويوظف هذا الصراع في إطار الاستراتيجية والمصالح الأمريكية لذا نرى أمريكا تتماهى أحياناً مع إيران ارتباطاً بتحقيق مصالحها،شريطة التأجيج الطائفي وبقاء الأمور تحت السيطرة الأمريكية،الأمر الذي يوضح ويضع الاتفاق النووي الإيراني في إطاره الصحيح وبالتالي يفسر استحالة اسرائيل بموجبه،بشكل أو بآخر إلى طرف في هذا الصراع .عليه،هل من الموضوعي القول:بأن المصدر الأكبر لتأجيج هذا الصراع وبروزه هو تعاظم الدور الإيراني في المنطقة العربية،وذلك من خلال دعم الحركات الشيعية العربية واستخدام سلاحها في إطار هذا الدور،فها هو الحشد الشعبي في العراق والحوثيون بانقلابهم في اليمن وحزب الله بارتداد سلاحه للداخل السوري في لبنان،فإيران من يستخدم الشيعة العرب كأداة نفوذ سياسي،فهاهي عطلت الدولة اللبنانية وشلت الاقتصاد وأججت الصراع الداخلي،فضلاً عن محاولاتها المتكررة لتصدير الثورة الإيرانية ببعد طائفي في بعض المناطق العربية الساخنة،الأمر الذي يرفضه العرب جملةً وتفصيلاً.قد يقول قائل بالمقابل،لو كان الأمر كذلك لماذا إذن تدعم إيران بعض أطراف السنة مثلما تفعل في فلسطين،ألا يأتي ذلك في إطار مشروعها التحرري تجاه المنطقة.؟! للوهلة الأولى يبدو التساؤل واقعياً ومنطقياً،لكن بالمقابل ألا يأتي هذا الدعم برأيك لطرف على حساب طرف آخر،في إطار تعزيز استخدامها للورقة الفلسطينية لصالح مشروعها النووي الإيراني وبالتالي نفوذها السياسي في المنطقة.؟!
عليه قد يبدو من المجحف الإكتفاء بما سبق للحكم على الأمور،لأن تعاظم الدور الإيراني بالحقيقية،لا يعود فقط للسياسات الإيرانية،إنما يرتبط أيضاً،ببعض المواقف والسياسات العربية،التي من شأنها تعزيز هذا الدور،فمثلاً الحرب على العراق،شنها الغرب بدعم عربي وتمويل خليجي،الأمر الذي عزز من نفوذ إيران في العراق،ومن ثم فتح الحدود أمامها باتجاه سوريا وبالتالي مع لبنان،هذا في ظل اهمال السعودية لتنمية الوضع والموارد والاحلاف العربية،واعتمادها بالمقابل على التحالف مع الغرب وتحديداً أمريكا،بمعنى تبعيتها الكاملة له من خلال سيطرته على النفط وسعره والأسواق فضلا عن القواعد العسكرية،وإلا لكان بإمكانها الاستقواء بالشعوب العربية والاعتماد عليها بدلاً من الإعتماد على الأجنبي والإكتفاء بذلك،وها هي اليوم للأسف تكرر نفس الفعل بتخليها عن مصر وسوريا مثلما تركت السودان وغيره في السابق.
ليس هذا فحسب،بل مثلما عملت إيران على تصدير الثورة أو المذهب الشيعي،قامت السعودية بالمقابل باستخدام الدين وبدعم من الدولة لتحقيق التمدد الوهابي،ولا يخفى هنا خطورة هذا أو ذاك،فضلاً عن واقع الشيعة العرب واستعداء بلدانهم لهم،مثلما يحدث في البحرين،الأمر الذي دفعهم إما بالرضا عما تقوم به إيران في المنطقة أو للتعاطي معها كمرجعية لعموم الشيعة العرب،علاوة على ما أكد عليه التشرذم وطبيعة الردود العربية،من غياب لنظرية الأمن القومي،أو موقف موحد بالحد الأدنى لدول الخليج،مما شجع على تعاظم الدور الإيراني،فعلى سبيل المثال،تجد في كل من دولة قطر والإمارات،استثمارات إيرانية بمئات المليارات،لذا دول الخليج جميعها لا تملك خيار مواجهة إيران..هذا إلى جانب التقييم الخليجي الخاطئ للثروة،باعتبارها أمن،فهي في الحالة العربية على عكس ذلك،جالبة للطامعين والغزاة المحتلين،وهذا ما يجب أن يشكل درساً لدول الخليج .
بناءً عليه،من هو برأيكم الطرف الذي يأخذ الصراع نحو الطائفي..؟؟! تاركين الاجابة هنا لنباهة وتحليل القارئ....ختاماً،أمام تعاظم الشعور بخطورة الطائفية،وخطورة الدور الإيراني في المنطقة،في ظل تداعيات الصراع الطائفي الراهن،بحيث بات يجعل تقسيم العراق واقعياً وتقسيم سوريا أمراً ممكناً،لا بد من وجود إستراتيجية عربية موحدة تقوم بالأساس على انتباه دول الخليج لخطورة التحالف مع الغرب بمعنى التبعية له والاعتماد عليه من جهة،ولأهمية تنمية الوضع والموارد والأحلاف العربية من جهة ثانية،فضلاً عن ضرورة انهاء استعداء بعض الدول العربية للشيعة العرب في بلدانهم،وضرورة تنبههم بالمقابل باعتبارهم مواطنون عرب لتوريط إيران لهم ولخطورة ذلك،وبالتالي إعراضهم صراحة عن رفضهم لما تقوم به إيران في المنطقة .إذ يبقى السؤال المركزي المعروض دائماً..أين هو الأمن القومي العربي..؟؟!