دروب الفوضى- يحيى رباح
بشهادة البنك الدولي نجحنا خلال السنوات الماضية في إدارة ما يتوفر لنا من أموال، وبشهادة المجتمع الدولي نجحنا في ان نكون على قدر عال من المشاركة والندية الكفؤة والتعامل العملي الايجابي مع كل المبادرات التي تطرح بخصوص قضيتنا التي هي من أقدم واعقد القضايا في العالم، ونجحنا في الحضور السياسي من خلال تكيفنا مع أولويات السياسة الدولية ومع قيمها الجديدة قيم التعددية والاعتراف في الآخر، ونجحنا في اظهار اسرائيل كدولة استيطانية تعادي قرارات الشرعية الدولية، وتناقض قواعد القانون الدولي والقانون الانساني، وتمارس سياسة فرض الامر الواقع، وتغلق الجسور التي كان يجب ان تفتحها مع نفسها ومع الشعب الفلسطيني ومع المنطقة، وتقرأ الاحداث التي تجري قراءة خاطئة وقصيرة النظر لدرجة ان هبت عليها رياح العزلة العاتية ومن المحتمل اذا ركزنا على اولوياتنا ان تصبح رياحا عاصفة في المستقبل.
ولكن في المسائل الداخلية، في علاقات القوى الفلسطينية مع بعضها، في المسائل المتعلقة بالوعي الجمعي وبالسلام الداخلي، فإننا نعاني من ارتباك كبير، من صراخ وضجيج هائل، ومن اندفاع بعض القوى والشرائح الى دروب الفوضى مع ان القيادة الفلسطينية الشرعية تمسكت طيلة السنوات الخمس الاخيرة بسياسة النأي بالنفس عن الزج في معترك الاحداث الدراماتيكية التي اجتاحت المنطقة ولعب فيها الاسلام السياسي السني انتهى بفشله الذريع وسقوطه المدوي، فانتقل الدور الى الاسلام السياسي الشيعي الذي سينتهي به المطاف الى فشل اكبر.
ولقد نجحنا خلال السنوات الخمس الاخيرة في ان تكون رقعة فلسطين التاريخية بعيدة عن الفوضى، والنجاح الذي يدعيه نتنياهو ليس نجاحه وحده بل نجاح الشعب الفلسطيني الذي لم ينساق ابدا في مسارات الارهاب والفوضى وظل باغلبيته الساحقة متمسكا بمشروعه الوطني.
فما الذي يجري اليوم؟ لماذا هذا الصراخ في ساحاتنا عبر عناوين عادية ومحاولة تحويلها الى عناوين للفوضى؟ لماذا يتحول اضراب الصحفي محمد القيق الى هذا النوع من الهذيان الجماعي مع انه هو نفسه احرج اسرائيل وكشف عوراته اكثر من كل الصارخين حين طالب في المحاكمة واثبت ان اسرائيل عاجزة بالمطلق عن تأليف ملف اتهام له ابتداء من المستشار القانوني لرئيس وزرائها الى آخر جهة قضائية في اسرائيل، وحين قام محمد القيق بفك اضرابه عن الطعام سقط الكورس كله في الصمت بعد ان نجح محمد القيق في الافلات من نتائج الرقص حول جثته واختار ان يضل حيا وحرا في آن واحد.
وما كدنا ننتهي حتى وجدنا الصراخ نفسه من اللاعبين انفسهم يتجدد في اضراب المعلمين الذين نقدرهم ونحترمهم ونحبهم لتاريخ المعلمين في فلسطين ودورهم المشرف في المسيرة التعليمية وابداعهم الخارق في الحفاظ عليها ايام الانتفاضة الاولى التي اغلقت فيها المدارس فحافظوا هم على مسيرة اجيالهم وابتدعوا التعليم الشعبي والتطوعي حتى لا يجد التلاميذ والطلبة انفسهم في الشوارع، فكيف تحولوا اليوم من جنود للوطن الى جنود للفوضى؟ والشيء نفسه ينطبق على عناوين صغيرة اخرى لماذا نضخمها ولماذا نحولها الى ابواق للصراخ بدل ان نفهمها فهما عميقا ولماذا اللاعبين انفسهم الذين نراهم في كل عرس يفعلون كل شيء واي شيء من اجل ان يذهبوا بشعبنا الى دروب الفوضى.
Yhya_rabahpress@yahoo.com