المرأة الأيقونة - حنان باكير
يوم التقيتها أول مرة، أهدتني كابوسا مرعبا لمدة اسبوع. تتراءى لي خيالات، لم استطع ردعها. أتخيّل مشاهد، وكأنني اقتبستها من افلام رعب هيتشكوكية. كان ذلك في مناسبة أدبية، صدفة انها تزامنت مع يوم المرأة العالمي. وكأن اللقاء جاء ليكرس نفوري من ذلك اليوم. امرأة في سن النضج. طويلة ومنتصبة القامة، كشجرة أرز على قمة جبل الباروك. على قدر من الجمال لا بأس به. ترتدي نظارة سوداء، ورغم انتصاب مشيتها الواثقة، لكنك سرعان ما تكتشف ان النظارة السوداء، تخبئ خلفها عينين مطفأتين! كانت عايشة، وهذا اسمها، في عمر الورود، حين جاء الى بلدها لاجئا، شاب عربي، فرّ من حرب مدمرة في وطنه. فأصابهما كيوبيد بسهمه. ووقعا في حب جارف. وحين جاء الشاب لخطبتها، اعترض الأهل، فهو فقير وفار من بلده، ولا يملك الحد الأدنى من شروط تأسيس حياة أسرية، الى جانب الفروقات الثقافية، رغم انهما يحملان دما عربيا واحدا. لم تشأ ان تفرط بحبها، ففرضت أمر ارتباطهما على أسرتها. ولظروف حياتية، اضطر الشاب الى اللجوء الى بلد اسكندينافي، وما لبثت ان تبعته زوجته، وأنجبا عددا من الأولاد. وسبحان مغيّر الأحوال، لم تسر حياتهما كما تمنيا ورسما لمستقبلهما. ساءت العلاقة واستحال التعايش السلمي بينهما، وتعطلت بينهما لغة الكلام أو الحوار. بعد فترة عصيبة ومليئة بالآلام، طلبت عايشه الانفصال. لم يرق للزوج ان تطلب هي الانفصال عنه. لكن القانون هناك يحمي المرأة ويضمن حقوقها وحريتها، لا ندري، إن كان هذا القانون نعمة ام نقمة عليها.. القانون يحمي الحقوق، ولكن كيف يمكنه الحماية من النفوس الأمّارة بالشر! انفصلت عنه، وسكنت في عنوان غير معروف، وهذا اجراء قانوني، لحماية المرأة من الرجل، اذا ما أراد بها شرا! والزوج سبق له ان هددها، بعمل لن يخطر ببالها! حاول الرجل ايجاد عنوانها، لكن من دون جدوى. خطرت له فكرة جهنمية. زار ابنته في مدرستها، ثم طلب منها مرافقتها الى البيت، وهكذا عرف العنوان! صباح اليوم التالي، كان ينتظر قريبا من البيت، وانتظر خروج أولادهما الى المدرسة. فسارع وطرق الباب. اعتقدت عايشة أن اولادها قد نسوا شيئا، ففتحت الباب! كان الطليق.. الذي سارع باقتلاع عينيها بآلة حادة. تم الأمر بثوان وسط ارتباك المرأة التي لم يتسن لها، معرفة ما حدث او ما سيحدث! ووجدت نفسها في ظلمة، لا تعادلها في الوجع، الا ظلمة جهل وتخلف، نرفض التخلي عنهما! ما دفعني لاعتبار تلك المرأة ايقونة عربية، هي انها رفضت التقاعد المرضي، والحصول على تسهيلات ومساعدات كبيرة، تعينها على حياة مريحة. والتقاعد المرضي يسعى اليه العديد من الشباب المهاجر، يحصلون عليه، وعلى ما يتبعه من مزايا ايجابية، ثم يتفرغون للعمل، "بالأسود"، اي من دون علم الدولة، ومن دون دفع الضرائب! لكن عايشة لم تختر الانزواء في زاوية معتمة، تستعطف عطايا وهبات الدولة! فحصلت على وظيفة مترجمة في البلدية. تقرض الشعر، ولها بعض الكتابات الادبية. قرأتْ أو قُرئ بالنيابة عنها نصّان جميلان. تشارك في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والادبية. وتابعت حياتها.. يبقى أن أشير الى ان الزوج القابع في السجن، ينتمي الى طبقة المثقفين والمتعلمين، الذين لم يستفيدوا لا من علمهم ولا من إقامتهم في دول متقدمة!