في عيد الأم: هَرِمَ الأبناء ورحل الأمهات بفعل السجن - عبد الناصر عوني فروانة
هَرِمَ الأبناء ورحل الأمهات بفعل السجن والقهر، ولم يعد لمناسبة "عيد الأم" أي معنى للأسرى وأمهاتهم، سوى مزيد من الألم والحزن. فلا الأسرى القابعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي قادرون على الاحتفاء بأمهاتهم، وتكريمهن أو تقديم الهدايا الرمزية لهن. ولا من بقين من الأمهات على قيد الحياة، يستطعن أن يزرن أبنائهن، أو بمقدورهن استقبال بضع كلمات آتية من خلف قضبان السجون، بفعل الرقابة والمنع الأمني والاجراءات التعسفية والقمعية.
ومع مرور السنين كبر الأبناء وهّرِموا داخل السجون، ومع تقدم العمر وبفعل القهر والحرمان، رحل أمهات كثيرات، فيما أمهات حزينات أخريات يخشون الرحيل قبل أن يعانقن أبناءهن وفلذات أكبادهن. فعن أي عيد للأم نتحدث ..؟
"عيد الأم" الذي يصادف في21آذار/مارس من كل عام، هو مناسبة سعيدة تُكرَّم فيها الأمهات وتُقدم خلالها الهدايا الرمزية من الأبناء لأمهاتهم، وفرصة رائعة يجب أن لا يُفَوِتها أي ابن لكي يُكرم أمه بالطريقة التي يحببن أن يُكرمن بها.
فهي الأم التي ولدت البنين والبنات وسهرت على تربيتهم وتهذيبهم ليكونوا جيلاً فعالاً في الثورة وبناء المجتمع وتشييد الدولة، وتظل الأمهات طوال حياتهن يقمن بالاهتمام بأبنائهن مهما تقدم بهن العمر، وتظل قلوبهن تتسع لهموم الحياة والأبناء معاً، وتظل كل قواميس اللغة العربية بحروفها وكلماتها عاجزة في أن تفي الأم حقها.
"عيد الأم" .. يوم يزيد من ألم الأسرى ألماً، ومن حزنهم حزناً، ويضاعف من مأساتهم، كيف لا ؟ وقد حرموا من تكريم أمهاتهم، ومنعوا من تقديم الهدايا الرمزية لأمهات لا زلن على قيد الحياة، بل ومنعوا من تقديم التهاني والكلمات السعيدة عبر الرسائل والهواتف. فيضطرون لقضاء ساعات النهار وجزء من ساعات الليل باستحضار مشاهد طويلة وذكريات جميلة عاشوها مع أمهاتهم، وكلمات سمعوها من أفواههن في طفولتهم وشبابهم، وبين أيديهم مجموعة من الصور كانت قد وصلتهم في أوقات سابقة، فيما الألم أكبر لدى من رحل أمهاتهم ولم يعد بإمكانهم رؤيتهن أو تقبيل أياديهن وتكريمهن.
فالأبناء كبروا وهرموا جراء السجن وسنوات الأسر الطويلة، وهموم الحياة الصعبة والقاسية خلف القضبان، ومع تقدم العمر أمهات رحلن بفعل القهر والحرمان والمعاناة دون أن ينعمن باحتضان أبنائهن بلا قضبان وبعيدا عن مراقبة السجان. وآلاف الأمهات الأخريات ينتظرن شوقاً على بوابات السجون عودة أبنائهن بعد أن طال غيابهم. و بضع أمهات يقبعن في سجون الاحتلال بلا أي حقوق.
والأسرى الأبناء هم ليسوا وحدهم من يستحضرون أمهاتهم الماجدات، الأحياء منهن أم الأموات، بل ونحن كذلك نقف معهم وبجانبهم نستحضر ذكرياتنا مع أمهاتنا حينما كنا أسرى، ونستحضر أمهات لغيرنا رحلن قبل أن يتحرر أبناؤهن، ونستذكر كلماتهن وصرخاتهن ونعيد للذاكرة مشاهد رؤيتهن أمام بوابات السجون وعلى شبك الزيارات وفي الإعتصامات أمام مقار الصليب الأحمر، وفي المسيرات والفعاليات وهن يحملن صور أبنائهن ويطالبن بحرية أبنائهن الأسرى. فتحرر الأبناء بعدما خطف الموت أمهاتهم. فيما لا يزال آلاف من الأبناء الآخرين يقبعون في غياهب السجون ويتألمون بفعل الاجراءات القمعية وقسوة السجان، وأمهات يخشون شبح الموت والرحيل الأبدي قبل أن يعانقن أبنائهن، ويرددن دائما دعائهن المشهور "اللهم امنحنا طول العمر لنكحل أعيننا برؤية أبناءنا أحراراً وان نضمهم لصدورنا قبل الرحيل".
نسأل الله العلي القدير أن يحفظ أمهاتنا وأن يرحم الأموات منهن، وأن يطول بعمر أمهات الأسرى الأحياء أجمعين، وأن يحقق لهن حلمهن باحتضان أبنائهن ولو لمرة واحدة قبل الرحيل الأبدي وقبل أن يختطفهن القدر والموت المحتم.
مع خالص تهانينا لأمهاتنا وأمهات الأسرى جميعاً اللواتي ضحين من أجل أبنائهن و لا يزلن على قيد الحياة وكل عام وجميعهن بألف خير.