عن الآيباك .. والمخلصة كلينتون- ابراهيم سميح ربايعة
نتفق دوما على ان اسرائيل جزءا اصيلا من السياستين الداخلية والخارجية الاسرائيلية، هذه الدولة ورغم كل ممارساتها المتطرفة الا انها بقيت منطقة يحظر على السياسي وصانع القرار الأميركي التلاعب بها، يتسابق سياسيو الدولة الأكبر في العالم على اثبات الولاء والطاعة للسياسات الاسرائيلية ولأمن تل أبيب، ويهرع مرشحو الانتخابات الرئاسية دوما الى مواطن التأثير اليهودي في الولايات المتحدة لاستجداء الدعم وتقديم ما يطلب بالمقابل.
حضرت هيلاري كلينتون هذه المرة بين يدي الأيباك، اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة واحد من أكثر اللوبيات الأميركية تأثيرا على صانع القرار، ما قالته سيدة اميركا الأولى الاسبق يبعث على الحزن والسخرية، خطاب راديكالي منحاز لإسرائيل يكشف بكل وضوح مواقف عرابة الدبلوماسية الأميركية في ولاية أوباما الأولى المائلة للمصلحة على حساب القيم الاميركية التي لم يعد لها مكان على أرض الواقع.
شيطنة الفلسطيني كانت حاضرة كما في الخطابات المناصرة لإسرائيل دوماً، فكلينتون تباكت على ضحايا "الإرهاب" في شوارع تل ابيب وصرخت بوجه القادة الفلسطينيين ان كفوا عن التغني "بالقتلة" ووصفهم بالشهداء ورعاية عوائلهم، المجرم في خطاب كلينتون كان الفلسطيني القائد وصانع القرار وحتى الطفل الذي يتعلم الكراهية في المدرسة.
افردت كلينتون مساحة في خطابها لمهاجمة حملات المقاطعة واصفة اياها بمعاداة السامية، واكدت عزمها على محاربة هذه الجهود ومنع نزع الشرعية عن اسرائيل، الحليف العضوي لأميركا، ورفضت سيدة البيت الأبيض القادمة بقوة أي حل للصراع يأتي بفرض او تدخل دولي حتى وان كان عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مؤكدة بكثير من البروتوكولية وقليل من العملياتية على ضرورة انفاذ حل الدولتين من أجل مصلحة دولة يهودية قوية.
محددات السياسية الاميركية القادمة عبر كلينتون في اقليمنا الساخن تمحورت حول اسرائيل: الحفاظ عليها كقوة اقليمية متفوقة بفارق عن اقرب منافسيها عبر التزود باحدث التكنولوجيا العسكرية، والحفاظ على حلفاء اسرائيل الاقليميين ومحاربة من يشكل خطرا عليها، والالتزام بيهودية الدولة الاسرائيلية وتمتين الروابط العلمية والسياسية معها على نحو غير مسبوق.
الآيباك وقف لكلينتون اكثر من خمس مرات راضيا تماما عن خطابها الذي يرتقي لمستوى خطابات قادة إسرائيل المتشددين، ويتبنى الرواية الاسرائيلية بكل اركانها متجاهلا ان الفلسطيني قدم اكثر مما يستطيع ويخسر كل يوم في ظل مقارعته الاحتلال وحيدا، لكن السياسة الاميركية تعطي من يعمل وترضي من يتقن خيوط اللعبة، هكذا هو الايباك القوي والغني والمتنفذ.
غاب الأسد تماما عن خطاب كلينتون وربما لم يعد يشكل خطرا على أمن اسرائيل كما ترى، لكن ايران الخاضعة للسيطرة الاممية حضرت الى جانب داعش وحزب الله كاخطار تهدد امن الكيان العبري، لكن بعد الخطر الفلسطيني بكل تاكيد.
لم تعد القضية الفلسطينية في الخطاب السياسي الأميركي كما كانت، خاصة مع المتغيرات الاقليمية الهائلة، بل اصبحت اكثر من اي وقت مضى ورقة سهلة التلاعب لصالح الجانب الإسرائيلي، ستشكل المرحلة القادمة من السياسة الأميركية مزيدا من الانحياز للرواية الاسرائيلية، وستفرض مزيدا من الضغوط على الجهود الفلسطينية في سبيل احقاق الدولة، وهذه المرة قد تكون التحالفات الإقليمية أيضا جزءا من ادوات الضغط المالي والسياسي على القيادة والفصائل.
لنتفق اذن اننا مقبلون على مرحلة مختلفة، تحتاج لادوات مرنة وحيوية تستطيع الصمود في وجه التحولات القادمة، فخطاب كلينتون لا يعكس موقفها لوحدها، بل هي السياسة الخارجية لأميركية في ظل التحولات الاقليمية، السؤال هنا: ماذا اعددنا لمرحلة ما بعد أوباما؟ بالعادة يدخل الرئيس الأميركي مرحلة البطة العرجاء في عامه الأخير، وتصبح سياسته بلا قيمة في ظل افتقاده للحافز وادوات الضغط، الا ان اوباما دخل ولايته الثانية متراخيا، فرغم برود علاقته بتل ابيب بشكل واضح الا انه لم يبادر ليقدم ما يحرك المياه الراكدة في ملف المفاوضات رغم كل جهود كيري السطحية في هذا السياق. لكن السياسة الأميركية النائمة تجاه ملفنا الشائك ستنتهي بتولي الرئيسة او الرئيس الاميركي القادم زمام المبادرة، وعلينا ان نقف بذكاء في عين العاصفة.